التربوية السياسية الطائفية ستراتيجية مواجهة حاجات العراقيين
عصام الياسري
مع هاجس التحديات الخطيرة التي يواجهها العراق وتفاقم الأوضاع الأمنية وانتشار السلاح المنفلت وتسويف أحزاب السلطة ومحاولاتها تجيير قانون الانتخابات المثير للجدل لصالحها، وأخيرا صولة تراشق الشتائم واللكمات يوم السبت 8 أيار داخل قبة البرلمان بين ما يسمى ممثلي الشعب نتيجة الصراع الدائر منذ أشهر حول من يشغل منصب رئيس مجلس يؤمن مصالح من يأتي به من الأحزاب وقياداتها بعد إقالة الحلبوسي فالذي حدث لا يفسر واقع المتاهات السياسية والأوضاع التي يعاني منها المجتمع العراقي فحسب، إنما أقصى ما وصلت إليه هذه الطبقة السياسية بأدائها تحويل البرلمان إلى ساحة لإهانة بلد صنع قبل آلاف السنين القوانين المدنية، اسمه العراق…
إن واحدة من أهم الموضوعات التي تخيف الكتل السياسية الماسكة بسلطة الدولة العميقة مسألة العدالة المجتمعية والأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي التي يطالب المجتمع العراقي تحقيقها. ورغم أن العراق يمر بمرحلة خطيرة بسبب تعرض محيطه العربي إلى تهديدات خارجية وقيام الكيان الإسرائيلي بدعم دولي بقيادة الولايات المتحدة لإبادة الشعب الفلسطيني وتعريض أمن المنطقة للخطر. فإن الطبقة السياسية التي تتشدق بالاستحقاق الانتخابي، لا تزال تتصرف في أغلب المدن العراقية بمنطق: “المصالح الشخصية والفئوية فوق رأي القانون، ولا يمكنها التفريط بها بأي حال من الأحوال”. وعلى قدر أهمية المرحلة ودلالاتها فيما يتعلق والقضايا التي يتطلع لها الشعب العراقي، هناك مسألتان لا بد من الوقوف عندهما للكشف عن المسارات التي تؤدي إلى فشل الدولة: (تركيبة الأحزاب ومفهوم الانتخابات). الأمران في العراق، على الرغم من مرور عقدين على التغيير، لم يقتربا قيد أنملة من تحقيق “الدولة المدنية” بالمطلق. في المجتمعات الديمقراطية مهمة الدولة المدنية قبل كل شيء تحقيق كل مستلزماتها القانونية والإدارية، لتكون، أي الأحزاب، فاعلة فيما يتعلق الأمر بأمن الدولة ومصالحها.
ينظر القانون الدولي للدولة: أجهزتها، شعبها، مناطقها أشكالها يرتبط بموجبها الناس بعضهم ببعض لحماية مصالحهم المشتركة. في شأن ذلك، يعتمد على وجه التحديد، وفقا لعقيدة العناصر الثلاثة “الدولة والشعب والسلطة”، على أهم الوقائع والمعايير لضمان التوازنات المتبادلة بين الحقوق والواجبات داخل المجتمع تحت رقابة أحزاب فاعلة داخل وخارج المنظومة البرلمانية. من هنا نتساءل ببساطة: هل الأحزاب العراقية معنية بإرساء مبدأ دولة المواطنة؟ وهل وصلت إلى مستوى أن تكون فاعلة داخل المجتمع؟. الحقيقة أننا لا نستطيع أن نحكم عند قراءة الحدث السياسي وما يحيط مؤسسة الدولة من إشكاليات معقدة تتشابك فيها الإرادات بين سلطة الأحزاب القوية وأدوارها داخل مؤسسات الدولة، وضعف سلطة الدولة المركزية…
الأحزاب السياسية في البلدان الديمقراطية، لديها مهمة أساسية: تمثيل المصالح الاجتماعية والسياسية للشعب لكي يتمكنوا مرشحيها من أداء هذه المهمة، يتمتعون بحقوق والتزامات محددة. ووفقا لأحكام “قانون الأحزاب” غير المتوفر في العراق أصلا، فإنها تعتبر من الجماعات المجتمعية التي تؤثر بشكل دائم أو لمدة محددة على صنع القرار السياسي وتمثيل الشعب تبعا للقواعد الفعلية العامة في “البرلمان”. فيما يحظر “القانون” في الدولة المدنية “الأحزاب” التي لها أذرع مسلحة من المشاركة في الانتخابات، ويطالبها تقديم تعهد يتضمن مادة واضحة بذلك. وعليها بيان مواردها المالية قانونيا، كيف ومن أين؟ كذلك طبيعة عملها وأماكنها المحددة وعدد أعضائها. والأهم اعترافها بالقانون الأساسي “الدستور” للدولة والالتزام بمبادئه شرطا أساسيا…
وللمشاركة في تشكيل الإرادة السياسية للشعب، تتمحور أنشطة الأحزاب عادة حول، تأثيرها على تحريك الرأي العام وتشجيع المواطنين على العمل في الحياة السياسية وحرية إشراك القادرين منهم على تحمل المسؤولية العامة في الحكومة “الاتحادية” أو المحلية بالشكل الذي يساعد على نجاح عمل البرلمان والحكومة بيد أن مبدأ حرية تأسيس الأحزاب بالإضافة إلى حرية الحزب فيما يتعلق بأهدافه وبرنامجه ونشاط أعضائه في سياق العمل الحزبي، لا يمكن تبرير أعمال إجرامية ومنها الفساد المالي والإداري بحرية النشاط الحزبي. ويلزم القانون الأساسي، الحكومة بمعاملة جميع الأطراف على قدم المساواة، وتطبيق مبدأ التعامل بين الدولة والأحزاب الفاعلة -بحيادية- تامة. ويلزم أيضا، جميع السلطات، بمعاملة الأطراف من حيث المبدأ وفقا لأهمية الفرد أو الحزب ونزاهته بنفس الطريقة عند تقديم التسهيلات والخدمات الانتخابية أو الإدارية لضمان المنافسة العادلة بأحدث الأساليب المعروفة باسم “تكافؤ الفرص المتدرج”…
للخروج من مأزق السياسات الفاشلة وتبيان مصداقية مؤسسات الدولة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، لتحقيق مطالب المجتمع العامة وأهمها السلم الأهلي، على رئيس الوزراء، إن كان جاد بتنفيذ شعاره بأنه “رجل أفعال وليس أقوالا” إن يمارس صلاحياته الدستورية، بعيدا عن التخندقات الحزبية لمعالجة الأزمات المتراكمة باتجاه التغيير السياسي الشامل!.