تطلعات التعليم العالي في العراق: بين طموحات الحكومة وتحديات الواقع
محمد الربيعي
اثارت زيارة رئيس الوزراء الى جامعة جون هوبكنز في واشنطن اهتماما واسعا في الوسط الاكاديمي، حيث شدد في الندوة الحوارية التي عقدتها الجامعة على اهمية الجامعات في تعزيز التنمية المستدامة، مستعرضا خطط الحكومة لتطوير التعليم العالي، بما في ذلك زيادة الاستثمارات وتشجيع الابتكار والبحث العلمي.
تُبرز زيارة رئيس الوزراء وندوته الحوارية التزام الحكومة بتطوير التعليم العالي في العراق، ومع ذلك يصعب الحكم على مدى اهمية خطط وسياسات ومشاريع حكومية لا تبدو وانها تتفق مع التحديات التي يمر بها التعليم العالي.
اكد سيادته على رغبة الحكومة في الارتقاء بالقطاع الاكاديمي وتعزيز مجتمع البحث العلمي، وهو ما يتطلب استراتيجيات وتخطيطا دقيقا. هنا يُطرح السؤال عن كيفية تحقيق هذه الاهداف وما هي الخطوات المحددة التي ستتخذها الحكومة.
من جهة اخرى، اكد سيادته على استعداد الحكومة لمواكبة التطورات العالمية في مجال التعليم الرقمي والذكاء الاصطناعي، وهو امر يتطلب استثمارات كبيرة وتدريب الكوادر البشرية لكون البلاد في بدايات هذه المجالات ولا توجد سياسات واضحة واموال مخصصة لهذه المجالات. فهل يعد السعي لمواكبة التطورات العالمية مجرد آمال بعيدة المنال، ام انه يتماشى مع استراتيجية محددة الاهداف والمعالم؟ وما هي الاجراءات التي اتخذتها الحكومة لتحقيق هذه الاهداف وضمان جودة التعليم المقدم؟
اما بالنسبة لمشروع الحكومة لمواءمة “المناهج الجامعية مع احتياجات سوق العمل، وزيادة التنوع في تكوين اعضاء هيئة التدريس والموظفين” ، فإن المهمة تبدو عسيرة التحقيق بدون تغييرات جذرية في الهياكل الجامعية والبرامج الاكاديمية والمناهج التدريسية، مما يفرض السؤال عن كيفية تحقيق التوازن المفترض بين المتطلبات الاكاديمية واحتياجات سوق العمل.
وبخصوص الاشارة الى ان “الجامعات العراقية مستقلة، ولا تمثل مصالح خاصة او حزبية او سياسية او دينية، ولا تحضّ على الكراهية”، وان جامعاتنا تتوفر فيها “حرية التعبير والبحث العلمي، وترفض اي خطاب عنصري او طائفي داخل جدران الحرم الجامعي”، فإنها مسألة لم تثبتها الاجواء التي تعيشها الجامعات ولم تؤكدها الاحداث التي جرت داخل الجامعات منذ عقود. ولم نشهد اجراءات مهمة تعمل على تعزيز التفاعل بين الوزارة والجامعات لتعزيز المساواة والحريات الاكاديمية ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب. ويبدو هناك تناقض في تصريحات رئيس الوزراء حول حرية التعبير الاكاديمية مع الواقع المُعاش في الجامعات العراقية، التي تفتقر الى بيئة اكاديمية حرة وتتعرض للتدخلات الخارجية. ونتساءل عن الاجراءات التي اتخذتها الحكومة لضمان حرية التعبير داخل الجامعات ولمنع التدخلات السياسية والطائفية، وهل هناك قوانين او تعليمات بهذا الخصوص؟ وهل تم معاقبة او طرد اي فرد انتهك حرمة الجامعات او تدخل في شؤونها؟
اكد سيادة رئيس الوزراء على ان “الانحرافات التي لا تنتمي لاتجاه البحث العلمي الحقيقي ستنكشف وستبعدها مؤشرات التقييم الجامعي الرصين”. وهذا ما يدفعنا لطرح تساؤل حول وجود استراتيجية واضحة للحكومة لمنع الانحرافات في مجال الابحاث العلمية ( والتي يمكن ان يعني بها سيادته النشر الزائف وتزوير الشهادات) وكيف سيتم تطبيقها؟ بالتأكيد، نحن نتوق بحماس للتعرف على المعايير والاجراءات التي ستظهر وتقصي الشهادات والأبحاث المزيفة.
لذا، تبقى خطط الحكومة لتطوير التعليم العالي في العراق وعودا طيبة النية طالما لم تترجم الى برامج ملموسة مع اليات واضحة للمتابعة والتقييم.
يتطلب تحقيق تقدم حقيقي وضع خطط مفصلة مع تحديد الميزانيات والجدول الزمني، وتخصيص الموارد اللازمة واجراء اصلاحات جذرية لخلق بيئة تعليمية حرة ومنتجة تساهم في نهضة العراق.
بشكل عام، يبدو ان زيارة رئيس الوزراء وندوته الحوارية في جامعة جون هوبكنز تبرز التزام الحكومة بتطوير التعليم العالي في العراق، ولكن من المهم متابعة تنفيذ الخطط المعلنة وضمان التحقق من النتائج الملموسة، والفاعلية في تحقيق التحسينات المطلوبة في المجال الاكاديمي.