تصاعد الحماس بين أستاذتين محاضرتين في اليوم العالمي للمرأة في محاضرة في الهواء الطلق فقالت الأستاذة ياسمين: يجب أن يكون كل يوم هو يوم المرأة.
وقالت الأستاذة فرح: لانطالب بالمساواة بل بأن نتبادل الأدوار ليعيش الرجال تجربتنا ويقاسوا مانقاسيه ويحسوا بنا.. ثم نعطيهم نحن المساواة بعد أن يطالبوا بها مرارا.
في ذات اللحظة داست الأستاذة فرح على قوقعة فكسرتها لكنها لم تكن قوقعة حلزون بل كانت قوقعة سحرية في داخلها مارد جليل.. خرج المارد من القوقعة وقال: شبيك لبيك.
خاف الجميع لكن سرعان ماطمأنهن المارد أنه سعيد لأن الأستاذة فرح حررته من سجنه السحري وأنه سيحقق لها أمنية.
فاطمأنوا.. لفت فرح خصلة شعرها الطويلة حول اصبعها ثم سحبته وكررت الأمر وهي حركة تقوم بها عند الاستغراق بالتفكير وسرعان ماقررت أن تتمنى نهدين كبيرين لأن نهديها كانا أصغر حتى من نهدي الأستاذة ياسمين الصغيرين أيضا.. ولطالما كانت فرح تحلم بنهدين كبيرين ومثاليي الشكل.. خاصة انها من رواد المنابر والمنابر تحجب كل شيء باستثناء النهدين مما يجعلهما أكثر أهمية في اطلالاتها.. لكن سرعان ماتراجعت عن فكرتها تلك فالمارد ظهر في العلن وحتى لو همست له بالأمنية ستفهم النساء ماذا تمنت لاحقا.. والأولى بها أن تتمنى شيئا لصالح جميع النساء الحاضرات.. وهكذا تمنت فرح ماكانت تقوله في ختام محاضرتها.. أن يتبادل الرجال والنساء الأدوار في الحياة كي يشعروا بقيمة النساء.
وبالفعل بلمحة عين تبدلت الأدوار واحتفلت النساء بهذا الانجاز وسرعان ماتلقت زميلتها الأستاذة ياسمين مكالمة هاتفية من والد خطيبها ففتحت مكبر الصوت كي تسمع النساء حولها كيف ستحاوره بتلك النبرة كما كان الرجال يحاورون النساء.. لكن سرعان ما سألها عن مهر ابنه والمؤخر وأين ستشتري بيت الزوجية وفي أي صالة أفراح ستحجز وعن نوعية ضيافة ضيوف الزفاف وعن اسم الماركة التي ستقتني منها بدلة العرس لابنه وعن اسم الفندق الذي ستحجز فيه لشهر عسلهما.. وعن توفر عمل دائم لها تكسب منه دخلا يضمن حياة لائقة لابنه. سرعان ما أغلقت ياسمين الهاتف وأخذت تلهث مذعورة.. غادرت النساء وهن مازلن يحتفظن بالنزر اليسير من السعادة.. صعدت الأستاذة فرح الحافلة وعندما أضحت الحافلة مكتظة وأخذ الرجال الواقفون يحدقون بها شزرا اضطرت أن تقف وتمنح كرسيها لأحد الرجال رغم أنها كانت متعبة ولكنها فكرت بالأمور الإيجابية التي اكتسبتها وقالت بصوت مرتفع وهي تتظاهر بأنها تتحدث عبر الهاتف:
ياعزيزتي هذه شائعات لست أفكر بالزواج برجل آخر .. صحيح أنه يحق لي الزواج بأربع رجال ، لكن أنا رجل واحد وبالكاد أحتمله.. لعن الله الرجال وعيشهم (للجلطة وحدة بوحدة).. نعم .. نعم ياعزيزتي كما تقولين.. المرأة بإمكانها الزواج دون حتى أن تبلغ ولي أمرها وبإمكانها السفر دون إذن زوجها أو حتى علمه.. والرجل عكس ذلك فهو ضلع قاصر.
سرعان ماداهم مسامعها صوت يقول: نعم لاتحتاجين موافقة زوجك أو والدك لهذه الأمور لكنك تحتاجين موافقة شعبة التجنيد.. التفتت فرح مذعورة فوجدت عسكريات الحاجز يدعونها للنزول.. وسرعان ماقصو شعرها وحرمت من تلك الخيارات التي لاحصر لها من الألبسة الزاهية.. فقد ألزموها باللباس العسكري الداكن وسرعان ما خسرت بياض بشرتها تحت أشعة شمس الصيف الحارقة.. قالت للضابطة المسؤولة عنها: أنا أشتاق لأولادي. فقالت لها الضابطة : إجازتك ثلاثة أيام فقط في الشهر.
كان الراتب قليلا وأصناف الخضار التي يعطونها إياها محددة فلم تفدها جل مهاراتها في الطبخ ونسيت طوال سنوات خدمة العلم التسع كل مادرسته وقرأته… وأضحت ترى في منامها (الكوافير) وأطفالها ومساحيق التجميل والموائد العامرة متعددة الأصناف ذات الرائحة الزكية.
وكلما طال شعرها قليلا وفرحت به.. أرغموها على قصه كي يبقى قصيرا.
حزن المارد لحالها فجاءها مواسيا.. قالت له: خذ هذه المرآة أرني مايفعل زوجي الآن عسى يكون منهمكا في مسائل لم تعد تخصنا نحن النساء بعد أن تبادلنا الأدوار فأجد في هذا عزاء.
لكن المارد قال لها: أمهليني قليلا.
فالمارد كان يعلم أن زوجها الآن يضحك ويسخر من أحد أقاربه في جلسة غيبة ونميمة وهو ” يقرط ” القضامة ويشرب الشاي بالياسمين.
ذهب المارد إلى زوجها وقال له: اسمع ما رأيك أن أعيد كلا منكما إلى دوره وبهذا ترتاح أنت من الجلي والغسيل والطبخ.. ضحك الزوج وقال: أتظنني ساذجا إذا تبادلنا الأدوار وصرت عسكريا سأقوم بكل هذا إضافة إلى الكثير من المسائل الأخرى.
ثم طلب الزوج من المارد أن يبلغ فرح بطريقة ما أنه مستاء من مبالغتها بوضع مساحيق التجميل في إجازاتها وأن حرمانها من مساحيق التجميل لمدة شهر أو أكثر في ثكنتها العسكرية لايعني أن تضع كمية شهر في أيام الإجازة الثلاثة.
نهض المارد وقال بغضب خذ هذا طالما أنت متمسك بتبادل الأدوار.
وأعطى زوج فرح (دبقا) كي يزيل شعر قدميه ثم جعل فرح تشاهد آلامه وهو يفعل هذا ، عبر المرآة المسحورة.. لكنها ظلت تعيسة فعرض عليها المارد أن يمنحها نهدين كبيرين فعجبت لقوله.. وهمت تفعل حركتها المعتادة بأن تلف خصلت شعرها حول اصبعها.. لكنها تذكرت أنهم قصوا شعرها.. فأوجمت.. أخبرها أنه يستطيع قراءة أفكار البشر حين يفكرون بأمنية.. لكنها رفضت الحصول على نهدين كبيرين لأنهما سيعيقانها في تدريبات عسكرية كالزحف وغيره ويقللنا من مرونة أنشطتها الحركية التي تلزمها في صراع البقاء ضد أعتى وحوش البشرية من داعش ومشتقاتها.
وبعد عامين سمع المارد بخبر انتحار فرح فحضر جنازتها وسأل عن سبب انتحارها فقالت له إحدى صديقاتها: لديها الكثير من الأسباب ولعل أبرزها أن أصغر أطفالها يخاف منها ، يحسبها غريبة ولايحفظ اسمها فقد بلغ العام من عمره ولم تحصل إلا على خمس إجازات في هذا العام بسبب الاستنفار في كتيبتها.. لذا بالكاد يعرفها وكان يخاف منها بسبب إلحاحها على ضمه والالتصاق به.. ولم تكن المسكينة تحتمل هذا الأمر.
قال المارد بينه وبين نفسه : يبدو أنه لا مكان ” لفرح الرجل ” في هذه البلاد .