قصائد من على ضفاف السماء
د. إسبيليا الجبوري
الكراهية ستسقط يوما ما
ت: عن الفرنسية أكد الجبوري
بريق تشرين ممطر
روحنا التشرينية لم تشيخ
الكراهية ستسقط يوما ما.
غصة تشرين تجرف الحزن الراكد
طلع قمر يزخ دماء تشرين الحميمة
عشاق تشرين اجتاحوا رأسي؛
اندفاعات تشرين حزينة٬ اللحظات المجيدة البهية٬
رؤية شوارع المدينة المزدحمة، الطيور فوق الجسور
أنهم يجدفون البرد.
مع صرخة الشهيد في الفيض لا نهاية لها؛
رعد السماء والميادين؛ أفواه الشهداء التي تهب
للمحبة معركة؛ الصراخ والخطوات، في لحظة خلوات الروح الغامضة،
من المقاهي والبيوت الفقيرة نزلوا من أسطح بيوتهم السماوية الراسية؛
قرع الصحون في النوافذ وما تلاها للشوارع
أصوات الأطفال والأمهات الثكالى، مع الآس والشموع
مع الزهور الزاهية بالحناء التي ترمي الحب للقلوب
من فوق جدارية “نصب الحرية”٬
فوق الحديقة المرهقة بحلوياتها المختلطة الغناء!
يأتيني “التوكتوك” هذه الرؤية التشرينية عندما أتكشف
حجم الرهفة في الحرية الأسمى للإنسان،
الذي أحبته النجوم عن جميع الأمهات٬ ربات الإلهام،
للخبز الطيب العام٬ هنا الصرخة العامة للنخيل لجميع الضفاف٬
وليس واحدة وحدها؛
الشهداء ووضعوا للساحات في أياديهم القيثارة السومرية،
وتوجوا بورق الغار البهي عند مجرى الدم٬ عند نبعهم،
وضعوا إكليل السعف “ من السلوى مع الخبز”على عرشهم
فوق ساحة التحرير وسطح التوكتوك.
في مقهى
ت: عن الألمانية أكد الجبوري
لقد جئت من اتجاه الدانوب.
التوجه إلى مقهى Berliner Hof .
لا أحمل شيئًا من النهر ولن أجد شيئًا عن الزعفران.
تعبت مبكرًا من عدم العثور على شيء للبخور،
حنيني مسافر دائما٬ ليس للماضي ولا للمستقبل. كما كنت تقول.
أتركك طيفا في هذا الكتاب٬ صورة قوس قزح وألوانه.
***
في مقهى Berliner Hof
وليمة الجسور المعلقة٬
زلة الورقة العالقة على النوافذ
في عيون السماء٬ الآن الريح بين اليدين
والحريق الحرير لازورد.
في مقهى Berliner Hof
الضباب يكتسح المارة من على النافذة.
أنتظر الموسيقى بوهم معلق.
والعيون الكروية
تستغرق الأبتسامة مثل الطيور البطيئة قادمة.
الدانوب يحتاج عناق عظيم٬
لتناول الشاي.
يا من تحسس وجهه ريح الشتاء،
الذي رأت عيناه سحب الضباب تتدلى في المساء،
وأطراف أشجار الدردار العارية باردة
مظلمة بين النجوم الباردة:
الشوارع ستكون وقت حصاد المشي بالنسبة لك.
يا من بك تحسست الوحدة دفئا في مقهى Berliner Hof
يا من كنت تحسس الرماد
من الظلام الأعظم الذي يرتع
ليلة بعد ليلة، عندما كان الدانوب بعيدًا
وعبرت الضباب بمثابة ضفة النهر الثلاثية بالنسبة لك.
لا تقلق بشأن مجرى النهر، فأنا لا أعرف شيئًا،
ولكن مع الشاي الحماسي هنا٬ تأتي أغنيتي بشكل عفوي.
لا تقلق بشأن المقهى – فأنا لا أعرف شيئًا هنا، سوى الصمت والكتابة
وفي المساء أسمع أنتظاري لك. الذي يحزن النوافذ
عند فكرة كسل المعرفة٬ التي لا تتكاسل، ولكن حضورك البعيد
الغائب في الهدوء البارد٬ شأن الفجر
ومن يظن أنه نائم فقد استيقظ.
لماذا تغيبت الليلة الماضية؟ لن يخبرني الدانوب أي صوت
لا الطين ولا أشباح برد الغابات القاسي
من الصمت أو الدفء الذي يتفضل بالرد.
ثم أتوجه إلى الشوارع الهادئة٬ قلب المدينة البشرية
قلب مقهى Berliner Hof !
ها نحن، خزين الوحدة والألم، حزينون كعادتنا
و وحيدون كالقمر.
كنت أنتظرك اليوم٬ هنا٬
لتبلغني لماذا تغيبت الليلة الماضية؟
قلقت بشدة؛ آه من الوهم المرعب
الدانوب في ظلام! الغابة في الظلام! المقهى في ظلام
أحبك جدا٬ لذا يجب أن أتذمر دائمًا، أليست الحرية هي السؤال!
وسؤال الحرية ومجرى الدانوب هي المشقة العابثة!
المشقة الأكثر معرفة بالعطاء والحب!
لماذا تغيبت الليلة الماضية؟ أنا الآن هنا٬
وأعرف طول الدانوب
يسكب مخيلتي أحزانه القصوى في المقهى
ومع ذلك، جئت أشرب الشاي في منتصف الليل،
أود القراءة وأن تنتهي صلاحية الأنتظار،
و رايات العقل و التنظيرات المبهرجة٬
تهزمها الحروب القذرة٬ والشعارات تُرى ممزقة.
أدسها مناديل ورقية تحت صحن الشاي
منقوعة بكلمات مثقلة من ذاكرتك
حتى الموسيقى والشعر والليل
مكاثف حزن حقًا، يتسرب إلى طاولتي الخاوية
لكن الحرب قائمة ما وراء الدانوب
الموت أشد وطأة في الشرق الاوسط،
الموت والفقر في العراق
الموت والفقر في غزة
فهو الجائزة الكبرى للحياة٬ لهذا العام.
إنها النهايات
أيها الغائب الساطع، كم أنت حاضر كما السماء
آه لو كنت ثابتة مثلك٬
غير معلقة أقدامي وجعا في المشي إليك
كنت أنوح عند الدانوب
أمشي وحدتي مع حضورك الغائب
في روعة انفرادية مع النهر
هناك حيث أنت في الليل،
هربت٬ جئت المقهى
للتأمل، بجفونك المفتوحة إلى القمر
وإلى الأبد،
جئت إلى الطاولة المطلة إلى المطر
مثل مظلتي، من ورق أشجار الطبيعة
من الدانوب الذي لا ينام،
المياه الجارية عبر المسافات البعيد
قطعت تقاسيم الأرض في واجبها الجليل
تحمل أغانيك وأرشيف كركراتك المقدسة
من وضوء الحجر الطاهر حول شواطئ التكوين الشقي.
في مقهى Berliner Hof
أعتدت التحديق في قناع طاولتي الطازج،
والبرد الهادئ المهرب على الياقات البيضاء٬
في حقائب الوجوه
التي سقطت بخفة على مخيمات اللجوء وبرد الأسلاك الشائكة في الحدود.
لا وحدة للثقافة، لا ثابت للحرية دائمًا، دائمًا العقل مأزوم غير قابل للتغيير،
أود أن أستريح من الدانوب الهادئ
على صدر ضفتيه صمت الممد المنتفخ،
أستشعر حنينك إلى الأبد٬
والمقهى التي كنا نجالسها بتورمات أرجلها اللطيفة وتهدئتها،
مستيقظة بك إلى الأبد
أحمل صمتي المثقل بالطين في الأرق الحلو،
يا من تحسست وجه الريح
جئت مقهى Berliner Hof مرة أخرى،
لسماع تنفسها الخافت مرة أخرى، بل حضورك الغائب
والبعيد
جئت من الدانوب يا من رأت عيناه سحب الضباب
معلقة على أبواب المقاهي والشتاء٬
جئت مقهى Berliner Hof مرة أخرى،
وهكذا لأحيا الحزن إلى الأبد، أو أهلك الحرية عناد الموت.
أرغب تشرين للغناء – سونتا
ت: عن الفرنسية أكد الجبوري
أرغب تشرين للغناء.
ليس لدي أكثر ما أرغب فيه
أسخر سمعي يتحرك تحت الشمعدانات والآس.
على أنغام ملائكة شهداء تشرين٬
وهم يستقبلون العشاق في الغناء
اتناول الحلوى٬ والحمام يأتينا٬ بجوار جسر الجمهورية.
يوم كله أرصفة وشوارع، ونحن
خرجنا من المقهى إلى المطر
و النوافذ المغطاة بالشموع. الجدران
ارتفعت علينا ونحن نسير، الأرض
تراكم الكثبان٬ الأمطار طينية، ومنارة المسجد عالية،
وراحت السماء تعلو٬ سماء النوارس عالية.
هنا حيث تراكمت أغنياتي٬ جمرات موقدنا٬
الرماد قديم قبل عشر سنوات،
يكسو الثياب اللون الرمادي
و حجر الجدران البارد.
والوجوه أمواج بنية٬ تعكر المساء
والحزن أنتشر الشاطئ،
رواسب٬ رؤوس الأسماك متهتكة،
والدماء تغص مياه الصرف الصحي،
والقصدير الصدئ٬ معبأ بالجثث.
الأطفال والرجال…
العشاق والصعاليك…
يكسرون الزجاجات على الحجارة.
خلف المنارة، حجر أسود نصب الحرية
أغنية تشرين في مواجهة السماء،
لطائران نحن نحيي
طائران من النوارس يحومان حيث نبدأ الغناء.
غزة شفق العالم
ت: عن الفرنسية أكد الجبوري
غزة شفق العالم٬
ذاكرة الضفة٬ غربية.
سوف نبحث عن الآلهة
أنت يالذي تعرف لهجة الريش الدافئة
والحرارة اللامتناهية المخبأة في البحر
حاول اختراق الركام
أنفض هذا المستقبل الغامض للأحلام
الدماء اللامعة تحت الأنقاض
في معجزة النسغ للوريد البكر
أو الوردة الحمراء المراهقة.
تذكر العطر النقي
أنه الحناء
حتى بك يطل تحت ورق الغار
هناك الحجر تحت الإبط المعبأ
القبلة المتوهجة لجسد بعيد؛ فوق البحر لشراع؛
وفوق الشفة الحمراء صوت نفس زيتون أبدي٬
“زيت و زعتر” بلدي؛
وعطر البرتقال عميق ومتنوع٬
حتى الموت المبتهج أو الأمل النباتي المحروق .
وأخيرًا تذكر أن يومًا ما وعدك به “ناجي العلي” في الظل
سنبحث إليه معًا٬ عن منطقة الصمت لنزول المطر
وسندخل طاهرين كالطيور بلا حدود
تنبؤ الحمامة النباتية العطرة
للتأمل في النظرة المتغطرسة لبكاء النصيحة المخزية.
الجنوب أحضر الفجر اقحوانا
ت: عن الفرنسية أكد الجبوري
الجنوب أحضر الفجر أقحوانا واحدا
لتزهر٬ الجنوب لم يغادره الوقواق بالبكاء
منذ تشرين.
الجنوب٬ يجلب أقحوان واحد لتزهر
لقد تولت الرعود على “شط العرب”
عبر السحب السوداء.
زهرة مثل عودة المطر الجنوب
من الطرقات البعيدة٬ وكركرات الصبايا
من ضيق الحلق المتشوق
شوق وقوف النخيل
مرآة بجانب “شط العرب”.
لتتفتح أزهار النعناع الطيبة في الحقول٬
الليلة الماضية سقطت “سعدية” الصبية مريضة”
مثل هذا المطر٬ ولم أنم.
آه سعدية…
الجنوب أحضر أقحوانا واحدا٬ يا “سعدية”.
اهدي لك صمتي *
– 0 –
“أهدي لك صمتي”** -، تندفع بقوة، حبال الأرجوحة.!
الفصل الاول؛
-1 –
ينطلق القارب -، البحار، بعيدة.!
-2-
زهور برية -، الفراشة، صغيرة.!
– 3 –
المخدة قش -، الطيور، تغرد.!
– 4 –
البحر بعيد-، القمر، شواطئ.!
الفصل الثاني؛
– 5 –
المطر يؤكل-، يطل القمر، حقل الشعير.!
– 6 –
محطات -، الأزهار الحمراء تتساقط، ليلا.!
– 7 –
الطفل يبكي -، الصفصاف ينمو، حزينًا.!
-8 –
يزدهر الغيم رماديًا، الاْرق اللائق -، أكثر.!
– 9 –
عيون الطرقات -، بتلات العشية، صفراء.!
الفصل الثالث؛
– 10 –
المخدة مطرزة -، أوراق الصفصاف تتأرجح، بلطف.!، “أهدي لك صمتي”** -، تندفع بقوة، حبال الأرجوحة.!
———————————————————————
* 10 قصص قصيرة ذكية – متوالية سردية مؤتمتة في ثلاثة فصول.
**العنوان ماخوذ؛ من رواية (أهدي صمتي)، للكاتب التي اعتزل بها (ماريو فارغاس بؤسا) الكتابة. وهي الرواية العشرين للبيروفي الحائز على جائزة نوبل، و وفقا له، “لن يكون عليه سوى كتابة مقال عن جان بول سارتر”.