هواجس لَجوجة (1)
يحيى علوان
ليس للأفكارِ شكل ولا لونٌ وهي تنولد على قارعة الكلمات لتجلو صورتَها في مرايا الواقع…
واقعٌ برؤىً تهدّلتْ وترهّلَتْ ، يضغطُ بإتجاه تفكيك أحلامٍ تكادُ تَسّاقطُ وسطَ إنكساراتٍ كبرى، وتغَوُّلٍ للهمجية الكونية .. مقابل عطشٍ رهيبٍ للثقافة الجادة ، يشبه العطشَ لكتبٍ لم نقرأها ، وللحنٍ شجيٍّ لم يُرطِبْ أسماعَنا بعد ، ولغبطةٍ لم نألفها ، ولأميرةِ منام إستعصت على الأبجدية… خارجَ ثقافة الإستهلاك وترويج للغيبِ والإبتذال المريع..!
* * *
معنْ بن زائدة:” إذا لم تكتب اليدُ، فهي رِجلٌ”!
أكتُبُ لأنني لا أستطيعُ فعلَ غير ذلك.
أكتبُ تفادياً للنسيان! فالكتابةُ تأجيلٌ للموت..
وهي متعةٌ وفِتنة،
اللغةُ وسيلتي الوحيدة في هذا العالم.. ولا أشعرُ بحريتي إلاّ حينَ أكتب ،
فأكتشفُ علاقاتٍ جديدة لي بالأشياء والمعنى ..
* * *
جاؤا في غَفلَةٍ من البحرِ والطيرِ ..
ذَبَحوا النسيمَ ونثروا أشلاءنا على سيوفِ الجهالة والحقد “المقدس” !
فتكلّسَ التأريخُ في خرائب الحاضر !
* * *
الوطنَ “مبتدأٌ”، فكيفَ يَجرّونَه ؟!
* * *
إقرأْ بمنتهى الهدوء، مثلَ إسطوانة تتهيأُ لإستقبال النغم ،
لأنَّ الموتَ الطائشَ ضلَّ الطريقَ إليكَ، فرطَ الزحام !
كم أنتَ حرٌّ أيها “المنسيُّ”.. لا أحدَ يرى أثرَ الناي فيك،
لا أحدَ يحملقُ في حضوركَ أو غيابك ،
نصفُ كأسكَ ملآن والشمسُ تملأ نصفه الآخر،
فأفعلْ ما تشاء.. إخلع قميصك أو حذاءك أو ما يعِنُّ على خاطرك..
لا عدوَّ ولا صديق أو مَنْ يُراقبُ ذكرياتكَ، حبَستها بداخلك !
كم أنتَ حرٌّ في خيالك..!
نامَت الشمسُ على تَقشُّفِ ظلِّها،
فلا تحتاجُ أنْ تُفكرَ بيوم الأحد، لأنَّ ربَّ الحرب يرتاحُ يوم الأحد !
الموتُ لا يعني شيئاً.. نكونُ فلا يكونْ ، أو يكون فلا نكونْ !
* * *
أُريدُ أنْ أزورَ ماضيَّ لكنني أرهبُ الخوَنَةَ وقاتلي الأماني ،
الذينَ لا يسمعونَ دقّات قلبِ الحنين !
* * *
مَنْ سَمَّمَ الأرضَ ، فأصابَها برُعافِ البراكين ؟!
* * *
نستيقظُ من نومٍ مُعتَّقٍ بغبار الكوابيس ، لنجدَ التنّينَ والأشباحَ أفلَتَتْ عقالها ، وإحتلّت المُدنَ..
وكانَ ثمةَ في الأعالي مَنْ يرقبُ المشهدَ عن كثبٍ ، يربِتُ على أكتافنا:” نحنُ نعرفُ ونُقدّرُ محنتَكم”!!
* * *
ثديٌ مَرمَروه بالحنظلِ إستعداداً لفِطام الرضيع..
لنْ أُبالي بالمَرارةِ لأنني عشقتُكِ ، بلْ أدمنتُ صدرَكِ !
* * *
الكتابة ، في وجه من وجوهها، تعويضٌ عن خسارةٍ لا تُستردُّ إلاّ بالكتابة ..
مَدينٌ لكُتبي ، أفكاري ومسوداتي ، التي أعادتني إلى نفسي ومكّنَتني من إستعاة توازني بعد كل ما شَهِدتُه وعشتُه من خساراتٍ وخيبات ..!
* * *
أسوأُ الرصاصاتِ، تلكَ التي تأتيكَ من الخلف !
فأذا لم يكن هناكَ من بُدٍّ ، كنْ مثل خليل حاوي..!
إختارَ رصاصتَه ، فصادَ نفسه!
وأنهى عذابَ التفرُّجِ على وطنٍ دنَّسته أقدامُ الغزاة !!
* * *
غيمٌ يحكُّ ظهرَ الموجِ ، وفِضةٌ خَلَعَتْ نَعلَيها ، تأبى أنْ تركِسَ في قاعِ النهر..
تُراقِصُ النسيمَ على وجه الماء .. فتسرق فَراشاتِ النُعاس ، كي لا تُكدِّرَ كرنفال النخيلِ ،
حيثُ يُرتِّلُ السعفُ الراعشُ أُنشودةَ الخَلق الأوليِّ عند ملتقى النهرين !!
* * *
من قصصِ الأطفال” عَنزةٌ قايضت جلدها بالجبل الأخضر”
كنتُ أقرأُ هذه القصة على بُنيَّتي لما كانت صغيرةً في دار الحضانة- وهي اليوم في الجامعة –
تحكي القصة أنَّ عَنزةً – وهي رمزُ الغباء عند الأطفال- إلتقتْ ذئباً فخافت أنْ يأكلها.. قالَ لها لا تخافي.. فأنا أشعرُ بالبرد وأنتِ يعضّك الجوع.. أعطني جلدكِ، وأعطيكِ بدلاً منه ذاك الجبل الأخضر المليء بيانعِ الزرع.. فوافقت ! صاحت صغيرتي “عنزة! لا يمكن أن تكونَ إلاّ غبيّة !!”[تنويه: لا علاقةَ للقصة، التي كُتبت في القرن التاسع عشر، بماقد يتصوَرُ البعض قسراً ، بما يحدث في بلداننا !!]
* * *
الطوفانُ هو الحساءُ الأول للآلهة !
ولما فوجئوا بخرابه ، حاولوا تجميده ..
لكنهم لم يكونوا يعرفون الصفرَ قيمةً !
* * *
لم أُسائل نفسي لماذا أحتفي بصداقة اليومي ، والشيء المُتاح !
ربما أكونُ قد أرجأتُ التفكيرَ بـ”مَلاكِ” الموت ، مثل صاحبٍ لي ..
كي لا أُظهرَ ما تخفى من حُطامي !!
* * *
من حقِّ الناس أنْ ترى – بعيداً عن ثنائية التشاؤم والتفاؤل – أنَّ العالم قابل للتغيير نحو الأحسن ، وهو بالتالي ليس “ملعوناً”! فمن حق الفرد أنْ يكونَ سعيداً على هذه الأرض ، وأنْ يعمل من أجل ذلك ، دونَ تحويل هذه الثقة بالجهد الإنساني إلى “أيديولوجية تفاؤلية” تُوَظَّفُ في مشروعاتٍ سياسية !!
* * *
الآلهةُ أرادتْ أنْ تُعمِّدَ الناسَ جميعاً ، دفعةً واحدة .. فأرسلَتْ طوفانها !
صحيحٌ أنها أوصتْ نوحاً أنْ يُرشدنا إلى رصيفِ مرفأ وَضّاءٍ بقناديلِ النجاة ،
لكن نوحاً كانَ أنانياً ، لم يُفكِّر إلاّ بإنقاذِ عائلته !!
* * *
رغم كل شيءٍ ، مازلنا نملكُ الكثيرَ مما يمكن فقدانه !!
* * *
علَّموا صغاركم كيف يكتبون جمَلاً لا تبدأ بــ”أنا” !
* * *
حينَ داهمت مجموعةٌ من الغوغاء/ ميلشيا مسلحة/ مَشرباً في كورنيش أبي نؤاس، تبخَرَ السُقاةُ والشاربون…
جمعَ الميليشياويون كؤوسَ ” الحرام “، يتقصَّونَ ما ترسَّبَ في الكؤوسِ من همسٍ !!
* * * *
هواجس لَجوجة (2)
يحي علوان