“صعاليك المعنى”
ندا الخوام
ليس من الغريب أن تكون صعلوكا إذ شئت ذلك، لكن أن تكون صعلوكا مختلفا تعانق الغيم والريح والفكرة، تتمرد على الكلمة والمعنى والصيغة والأقفال المغلقة هذه هي لذة الحياة، بل أن الأعمق من كل هذا أن يشاركك هذه الصعلكة أناس ينحدرون من التراب والطيب والجرف النهري نفسه الذي انحدرت منه. يتقاسمون معك الشأن الإنساني المحلي والإقليمي والعالمي ولا يبخلون في المبادرة أبدأ في اعتناق قضايا الآخرين مهما كان ثقلها.
لطالما تسبق الأبتسامة الكلام الذي يتبادر إلى أذهاننا حين نسمع كلمة الصعلوك أو جمع مفردتها الصعاليك وفقا لمعناها وهذا يكاد يكون انطباعا مسبقا يتبناه الفكر الجمعي للمعنى المشاكس في اللفظ.
الصعلوك الشخص البسيط والخارج عن القيود المجتمعية المتمرد على واقعه غير المرغوب فيه في محيطه يصبح منبوذا من المحيط نفسه، ومع الأيام أستخدمت الكلمة كوسيلة شتم وانتقاص ونبذ لتصرف ما إذ سرعان ما يقال للشخص المقصود يا صعلوك.
بهذا المعنى المحبب استخدامه دليلا على صفة المتمرد في باطنه وظاهره على قيود القبيلة وبعيدا عن أسباب تحرره منهم. أنه معنى محببا إلى نفسي وأجد فيه توظيفا رائعا للمعنى في مواقع أخرى كصعاليك الثقافة والعلم والمعرفة.
إذ ضم التاريخ الجاهلي العديد من الشعراء الذين نسب إليهم لقب الصعاليك ومنهم عروة بن الورد، تأبط شرا، السليك بم السلكة، وغيرهم العديد وفاقت شهرتهم في عصرهم أنذاك.
إن انخراط لفظ الصعلكة بالمعنى الثقافي المتعارف عليه كهوية مرنة تتيح الكثير من الراحة في صياغة التعبير عن المواضيع بأساليب متعددة.
صحيفة “صوت الصعاليك” اسما جاء من عمق الإيمان بقيمة الكلمة والموقف انطلاقا من محور الفكرة ووصولا إلى نقطة المبتغى جامعا بينهما بالجد تارة والهزل تارة أخرى، لكن أجمل ما حيكت من أجله هذه اللوحة المسطرة باللفظ الملون وريشة المعنى هو الهدف لمناقشة قضايا شائكة مكتظة تحت سقف الوطن الحبيب العراق.
متبنياً الأستاذ “عصام الياسري” بعراقيته وعراقته اسم الصعاليك والسير فيه بين طرقات الثقافة ورددنا صداه من بعده حاملين أفكارنا وكلماتنا وادراجها بين السطور، حتى بات أسما لافتا لمسامع الآخرين والذين غالبا ما يطلقون ضحكتهم مع سماع اسم الصحيفة مثلما أشرت إلى ذلك في اعلاه.
وحين تسرقنا الغربة بين أزقتها وماكنة عقاربها التي لا ترحم في الوقت وتوقعاته، نخطف دقائق اليوم لنكتب فالكتابة علاج من يحاصرهم برد هذا العالم المتجمد امام صرخة طفل ودمعة إمرأة وحصار شعب واضطهاد أمة واغتيال كلمة.
وحين يهضم الحق يعز علينا الصمت فالكلمات أن خانت الصرخات حية وتصل إلى ابعد نقطة في المدى.
نعم أنا واحدة من هؤلاء الصعاليك، المتحيزين للحق للأرض للنهرين حيث عرفت الحرف على ضفافها وهبطت به هنا في بلاد الثلج ابحث عن دفء يحتويني فإذا به يبعثرني ويجعلني شتاتا يحملني إلى حيث جئت.
صعاليك السلام لبغداد الحاضرة في ذاكرة الروح، بلاد الشعر والشعراء لطالما تسكعت روحي على ضفاف المتنبي هناك وكتبت خلف أعمدة شارع الرشيد قصائد متشابكة وركضت صوب شارع الجمهورية لتحط في كنيسة الميدان شمعة مثقلة بالأمنيات.
على ورق فمي وطن اريد أن أنشده بلا دمع ولاحزن ولا جذور للآلم اعرفكم به سومري الطين والسحنه .. بابلي المجد والحنكة… بصراوي السمرة … موصلي الشفة .. تعانق النوارس دجلته، تغسل جبينه المتعب بريشات السلام.
قبابه نخيل شموخ وكبرياء، ألمه أملا بالعودة يوما أنشده قصيدة معلقة بين عتبة الشفاه وشريان القلب، احمل صبراً كثيراُ وموالاُ طويلاُ يسرد تفاصيل الرحلة
ندا الخوّام / برلين