لودفيغ فويرباخ ” من فكرة الخلودة إلى فكرة الكمال ”
محمد خير الهواري
يعالج فويرباخ مسألة الخلود من حيث أنها تنتمي إلى مسألة الكمال الإنساني ، فالخلود هو تعبير عن شوق الإنسان إلى الكمال ، وذلك بتخيله استمرار وجوده إلى مالانهاية ( استمرار الحياة بعد الموت ) .
إن الإنسان الفرد بعلمه باستحالة الكمال له في هذه الحياة الدنيا يُلحق مهمة تحقيق ذلك بعالم آخر أبدي وزمان لا نهائي ، معتقداً أن مجرد استمراره في حياة أبديّة بعد الموت هو كمال في حد ذاته ( لكنه ليس كمالاً ) ، إذا هو مجرد تعبير عن أنانيّة ذلك الفرد وأمله في أن يستمر خالداً متحدياً الموت .
إن الفرديّة تعني الانفصال والتمايز عن شيئ ما ، وهي في حالة الإنسان تعني انفصال الفرد وتمايزه عن الكل الاجتماعي والنوع البشري ( متجهاً نحو الأنا ساعياً وراء مايريد لنفسه هو متناسياً أنّهُ اجتماعي يعيش ضمن منظومة اجتماعية وفي سياق سيسيو ثقافي ) .
ولا يمكن تحقيق الكمال لشيئ منفصل ومتمايز عن الكل الّذي ينتمي إليه والّذي يشكل ماهيّته الجوهريّة .
ولكن إذا أراد الفرد بالفعل أن يحقق الكمال الممكن للنوع الإنساني وأن يصل إلى الخلود المثالي لهذا الوجود الإنساني ، يجب عليه أن يتخلى عن فرديته ويذوب في هذا الكيان الكلي ( الإنساني ) .
ولا يذوب الفرد في النوع البشري إلا عندما يكون مساهماً في هذا النوع الإسهام المناسب ( الأمثل ) .
أي مساهماً في الرقي العقلي والروحي للنوع البشري ( من علم ومعرفة وفكر وفن وفلسفة وأخلاق .. إلخ ) .. بعيداً عن الأنانيّة .
لأنَّ ما يجعل الفرد إنساناً هو انتمائه إلى هذا الكل النوعي البشري ، فإن تحقيق الفرد لجوهره ( الإنساني ) معناه ذوبانه في هذا الجوهر بأن يصبح ممثلاً حيّاً لهذا النوع بجميع القيم الفاضلة التي تسير بفلك البشريّة في هذا الوجود ..
إنَّ الكمال والاكتمال و السعادة القصوى ، لا تتحق إلّا في الإنسانيّة كلها ، ولا تتحقق إلّا في تاريخ هذه الإنسانيّة باعتبارها مهمّة تاريخيّة تطوريّة متقدمة باستمرار .. ( رسالة ) .