بين حواضن السياسة.. جوانب عهود قاسية وحقوق مفقودة
محمد جواد فارس
أيهاالاحياء تحت الأرض عودوا
فأن الناس فوق الأرض قد ماتوا
شاعر المقاومة الفلسطينية
محمود درويش
بعد أن فرط عقد الجبهة الوطنية و القومية التقدمية في العراق عام 1978، والتي كانت مبرمة بين حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم و الحزب الشيوعي العراقي ، شنت أجهزة الأمن و المخابرات حملة اعتقالات بين صفوف الكوادر الوسطية للحزب الشيوعي العراقي وحتى أصدقاء و مناصريه ، و كان توجيه قيادة الحزب عند السؤال ما العمل ؟ كان الجواب هو ( رفيق دبر راسك ) ، و جرى تعذيبهم و استشهد الكثير منهم تحت التعذيب الوحشي ، و سمحت السلطة لخروج قادة الحزب عن طريق مطار بغداد الدولي ، مستفيدة من تجربة الاعدامات التي شملت قيادة الحزب في الثامن من شباط عام 1963 في قصر النهاية ، لكي لا يثير الرأي العام الدولي ، والتي سببت ضجة استنكار لاستشهاد سلام عادل ورفاقه تحت التعذيب ، في دول البلدان الاشتراكية و كذلك الأحزاب الشيوعية و العمالية العالمية ٠ و رفع الحزب بعد فرط عقد الجبهة ، شعار اسقاط السلطة متوجها الى استخدام السلاح في الخارج وفي منطقة كردستان الواقعة تحت سلطة الحلفاء الاكراد في المنطقة وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني ( حدك ) بقيادة البرزاني مسعود ، و الاتحاد الوطني الكردستاني ( أوك ) بقيادة جلال الطالباني، و كانا يقاتلون ضد النظام الدكتاتوري ، و من مصلحتهم أن يشاركهم الشيوعيين في عمليات عسكرية ضد العدو المشترك في سلطة حزب البعث و اجهزته الامنية والاستخبارتية ، و كان هناك رأي لعدد من قيادة وكوادر ر الحزب الشيوعي العراقي تشكيل فصال بيشمركة (الانصار )حيث اعتبرها البعض انها برغبة القوى الكردية ، و البعض كان لديه امل في حل الأشكال مع حزب البعث والحفاظ على بقاء الجبهة ، و انتصر اخيرا الرأي بتشكيل فصال الأنصار و لملة السلاح من القوى الكردية حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بأعتبار الحزب الشيوعي عضوا في جبهة جوقد و كذلك من حزب الديمقراطي الكردستاني بأعتباره اي الحزب عضوا في جود ، وكذلك بمساعدات أتت من سوريا و بلدان اشتراكية بالسر إلى العراق وشحنت عن طريق القامشلي المدينة السورية القريبة للحدود ٠
و بعد أن وقعت الخلافات التي ادت الى معركة بين قوى البارزاني و الطالباني و الجهتين كرديتين ، انحاز الحزب إلى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني كونهم في جبهة جود التي تظمهم مع حدك والحزب الاشتراكي الكردستاني أضافة للحزب الشيوعي العراقي و كان انذاك (ابو جميل ) يوسف حنا القس ( ابو جميل ) عضو اللجنة المركزية للحزب متحمسا ، و الذي تبين لاحقا علاقته مع النظام البعثي ، و المعركة جرت في شهر نيسان 28 عام 1983 وسميت هجوم بيلسان , و كان الحزب الشيوعي قد اختار قرية بشتشان الواقع على سفح جبل قنديل ، وكان لبعض العسكرين رأي أن المنطقة ساقطة عسكريا و لاتصلح لتكون مقرات الحزب فيها ، و لكن القيادة أصرت و عملت في بناء اماكن لها و لجهاز اعلام الحزب و إذاعة الحزب التي كانت تبث بأسم صوت الشعب العراقي و جندوا عدد من الصحفين و المذيعين و معدي برامج المحطة وهي بالأساس تعتمد على اخبار الحزب و نشاطات الانصار في الجبل و مجالات لدعوة لتثوير الشارع العراقي ضد النظام الدكتاتوري ، و لقد لعب جلال الطالباني دورا في مغازلة النظام الدكتاتوري و اجرى لقاءات مع عدد من اجهزته الامنية و الاستخباراتية، للتنسيق بينهما ، و هناك خطاب لجلال الطالباني يحث به رفاقه في بيشمركة الاتحاد الوطني لتسديد ضربة موجعة للحزب الشيوعي العراقي المتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، و عدم السماح لقواه من الأنصار الشيوعيون الانتشار في قرى كردستان ٠
وكانت قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني تخطط للضربة للشيوعيين وكان مساعد جلال نوشيرون مصطفى من اشد المتحمسين لتستيدها و بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والمخابرات العراقية ، و التي استخدمة طيرانه في الكشف عن مواقع الأنصار في سفح جبل قنديل ، و هذا ما حدث ، استغلوا اليوم الأول من شهر أيار عام 1983، حيث يعلموا أن الشيوعيين لم يفوتوا فرصة الاحتفال في هذا اليوم الخالد ، و الذي تحتفل به الحركة الشيوعية والعمالية العالمية ، عيد للطبقة العاملة شغيلة اليد والفكر ٠ وفعلا جرى الهجوم من قبل قوات نوشيروان مصطفى على اماكن التواجد للانصار مستخدم المدفعية ، و نتيجة هذا القصف المدفعي استشهد الكثير من الرفاق و هم يدافعون ويتصدون لهذه الهجمة الشرسة و الحاقدة ، وقع عدد منهم في الأسر من أمثال النصير ابو سحر و الحاج أحمد ، و عميدة أحمد حالوب ( عميدة عذيبي ) و اخرين من العرب أضافة إلى كريم أحمد واحمد بني خيلاني و قادر رشيد وهم من الأكراد، وجرى التفاوض مع كريم أحمد الأسير و كتب بيان بناء على طلبهم وبطلب من جلال الطالباني ، و المتعارف عليه أن ما اقدم عليه كريم أحمد يدل على عدم شجاعته واعتبر أن ماجرى هو خلاف وحرب الأخوة ، ولم يقم اولا بالاعتذار على اصدار مثل هكذا بيان بأسم المكتب السياسي تحت تسمية اقتتال الاخوة وهو عضوا فيه ، ولكن الرفيق باقر ابراهيم عضو المكتب السياسي ،” طلب منه النزول الى قواعد التنظيم الحزبي للانصار وتقديم الاعتذار لهم وينقد تصرفه ، و هو أسير لا يحق له التحدث باسم الحزب بعد وقوعه في الاسر و كان من المفروض ان يقول لهم هذه مهمة القيادة وانا الان في اسركم، و أطلق سراح الثلاثة من الرفاق الأكراد و استشهد برصاصهم الأسرى من العرب و هم أكثر من 80 رفيقا من بينهم الطبيب والمهندس والعسكري والعامل ٠
وفي مكالمة هاتفية مع ابن الشهيد الخالد حامد الخطيب ، ماجد حامد الخطيب طلبت منه أن يزودني بمعلومات عن والده و ماجرى في بشتشان ، و دون لي المعلومات التالية : [ حامد الخطيب خريج الكلية العسكرية، القوة الجوية ، و كانت علاقته جيدة مع كل من جلال جعفر الاوقاتي قائد القوة الجوية العراقية و سعيد مطر ، نقل من سجن رقم واحد إلى سجن نكرة الصحراوي ، بقطار الموت المعروف عام 1963 في تموز بعد فشل انتفاضة حسن سريع و كان من أبرز قيادات السجن على الرغم من صغر سنه ، وكسب ود واحترام رفاقه من السجناء عسكرين ومدنين ، وهو من عائلة أقطاعية تسكن في أعالي الفرات في الأنبار ، أطلق سراحه عام 1965 وعمل في المركز الثقافي السوفيتي في بغداد و كان خريج كلية اللغات ويجيد الانكليزية و الروسية، تقلد مركزا حزبيا عضو المكتب العسكري ، وعضو أرتباط بين حركة عزيز الحاج وعزيز محمد في عام 1969 ، هرب إلى البصرة وأعاد الصلة للخط العسكري في الجنوب و الفرات الأوسط، ذهب إلى بلغاريا لدراسة في المدرسة الحزبية ودرس الاقتصاد السياسي ، و كان عضوا في اللجنة المركزية بشكل سري ، وكان مخولا لشراء السلاح من الاتحادالسوفيتي بتخويل من المكتب السياسي ، ويذكر ماجد حامد الخطيب؛ أن القرار أن يكون المكتب العسكري العام في مناطق باهدينان و ذلك لاسباب كثيرة منها ، اللوجستية و كذلك شعبية الحزب هناك بين سكان القرى ،”وبعدها عن ايران في حربها مع العراق ، تم اختيار كريم أحمد أن ينوب عن السكرتير في غيابه ، وبعد فترة فوجئ الخط العسكري باختيار بشتشان كمقر رئيسي للحزب و على الجميع الانتقال إلى المقر الجديد ، علما بأن الاتحاد الوطني الكردستاني لديه خلافات غير قليلة مع الأحزاب الكردية منها حدك و زحمت كيشان و الديمقراطي الإيراني و حزب تودة الإيراني، وسبب هذه الخلافات هي التوقيع على جبهة ( جود ) بعد التوقيع بأيام على ( جوقد ) وكان النظام يريد مد جسور مع المعارضة لحمايه نظامه لمعرفته المسبقة بأن الحرب مع إيران قد تطول و توافق كل الأحزاب الكردية بإستثناء الاتحاد الوطني الكردستاني ، وقد صدرت الاوامر من القيادة العسكرية للحزب الشيوعي العراقي للانصار لبناء القاعدة في بشتشان ، المفتوحة في السهل ، وصعوبة الوصول لها في الشتاء وكان الطريق مغلق ، حتى البغل كان يعاني الصعوبة بالحركة و التنقل أن يتحرك ، التضاريس وعرة و كان معظم سكان المنطقة ولائهم للجلاليين ٠ ويستطرد ابن الشهيد حامد الخطيب : مساء 28 أبريل و لغاية 30 منه اجتمعت قيادة الحزب الشيوعي العراقي المكتب السياسي و العسكري و كان نتيجة الاجتماعات أن بشتشان منطقة ساقطة عسكريا ، ويجب الانسحاب منها فورا و تبليغ كافة التنظيمات بالانسحاب أثناء جنح الليل و أن يبلغ الجميع ، و بالفعل أنسحب كريم أحمد وأحمد باني خيلاني و حمة رشيد في منتصف اليل 30 أبريل على الأول من أيار اي ليلة الهجوم الذي اعده ( أوك )، وكانت الهجمات تتعاقب في القصف المدفعي ٠ حامد الخطيب و مجموعة من 30 فردا كانوا في بشتشان ، كان حامد الخطيب مسؤل مالية الحزب و بحوزته ما قيمته ثلاث و تصف مليون دينار عراقي و كذلك عملات أجنبية مختلفة وسندات مصرفية ، وكان يحملها في جنطة على الظهر ، وكانت الوجبة الثالثة ابو عامل ( سليمان صطيفان ) وبقية الرفاق ٠ و يقول ان هناك رواية أن رفاق حامد الخطيب هم من اسرعوا بقتله و سلب مالية الحزب التي كانت معه، و يقول ان مزاحم عباس جواد ( سامي ) أن رفاق حامد الخطيب هم من أصروا على قتله وسلب مالية الحزب منه ، التي كانت معه و تم تقسيم جزء منها في الجبل وقام كريم أحمد بتسليم ماتبقى إلى جلال الطالباني بعد اسره ، وبعد المجزرة حدث لغط حول ماجرى ، مما أجبر القيادة بتشكيل لجنة تحقيق، وهذه اللجنة تحقيقية ضمت كل من ملازم خضر و مهند البراك طبيب و ليس عسكري ، لكن التحقيق لم يأخذ مجراه بأمر من عزيز محمد وتم غلقه ، وأعلن للرفاق أن من يتحدث عنه ، أي جريمة بشتشان و ماحدث فيها ، يعاقب وبشدة ٠
يقول ابن الشهيد حامد الخطيب ، أنه تم الإعلان عن مقتل والدي في اذاعة الحزب صوت الشعب في الثاني من أيار ولحد اليوم لا نعرف أين دفن ولاكننا سمعنا من وضاح عبد الأمير قبل مقتله أن جاسم الحلفي يعرف مكان قبره ، وعندما سأل جاسم الحلفي نصحني أن أسأل فخري كريم زنكنة عن مصيره ، ولكن فخري رفض مقابلتي له منذ عام 2003 اي بعد الاحتلال وحتى يومنا هذا ٠ هكذا تكلم ابن الشهيد عن ملابسات جريمة بشتشان و هو يطالب بحقه عن ملابسات ما جرى مع الشهيد والده ولكل الشهداء ، و حقوقه في تقديم دعوى على القتلة الذين غدروا برفاق أنصار الحزب و بلغ عددهم أكثر من 80 رفيقا من مختلف الكفاءات العلمية و القتالية و النضالية ٠ وانتهى الحديث مع ماجد حامد الخطيب ] و قد كتب الرفيق عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي ارخاجدور في مذكراته الموسومة ( نبض السنين ) أن جلال الطالباني قد ارشى عدد من قيادة الحزب عندما استلم مركز رئيس جمهورية العراق بمرتب وزير متقاعد من الدولة العراقية ( لمعرفة المزيد ممكن مراجعة الكتاب ) ٠
أن هذه الجريمة النكراء يجب أن لا تسقط بالتقادم و أن تأخذ قانونيا كجريمة قتل جماعي بحق مواطنين عراقين امام القضاء العراقي ٠ مجدا و خلود لشهداء مجزرة بشتشان من الأنصار الشيوعيين ٠
وليحاكم القتلة في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ٠
طبيب و كاتب