1987: عندما يأتي اليوم” فيلم يؤرخ لمرحلة مهمة من التاريخ الكوري الجنوبي
علي المسعود
تركز الدراما التاريخية الملحمية “1987 : عندما يأتي اليوم” على حادثة تصفية الطالب الجامعي ( جونج تشول )، تلك الحادثة التي حفزت الأمة على الأنتفاض ضد الديكتاتورية ، وتصور خطوة رئيسية في مسيرة كوريا الجنوبية نحو الديمقراطية في يونيو/حزيران 1987، التي تدفق فيها الملايين من الناس إلى الشوارع لمقاومة النظام العسكري الديكتاتوري لتشون دو هوان وتحتل مكانة هائلة في تاريخ كوريا الجنوبية . على مدى ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات أثبت الشعب الكوري أنه أقوى من السلطة الديكتاتورية وأدوات سيطرتها ومهدت الطريق للإصلاحات الديمقراطية التي استمرت حتى يومنا هذا . يقوم المخرج الكوري الجنوبي ( جانغ جون هوان) بإستحضار هذه الأحداث إلى الشاشة في فيلم ( عندما يأتي يوم 1987 ) .
يبدأ الفيلم بمطالبة المدعي العام بتشريح جثة جونغ تشول ، في حين تضغط الشرطة لحرق الجثة دون تشريحها. بداية مثيرة في تأليب العدالة ضد تنفيذ القانون . يكشف تشريح الجثة في وقت لاحق عن علامات التعذيب، ولم يمض وقت طويل قبل أن يقفز الصحفيونفي إثارة القضية ويخرجون بحثا عن التسريبات. المزيد من التفاصيل تتسرب عن طريق مأمور السجن وابنة أخته اللذان يعملان على تهريب ونقل رسائل السجناء إلى الشباب الناشطين . بطبيعة الحال ، من أجل الحفاظ على السمعة الطيبة للسلطة لابد من إخفاء نبأ وفاة الطالب جونج تشول تماما. لذلك ، كان على شعبة مكافحة الشيوعية أن تطلب توقيع المدعي العام تشوي هوان للحصول على إذن حرق الجثث. وهذا يشكل انتهاكا لسيادة القانون، رفض المدعي العام تشوي ، بل أصر على تشريح جثة جونغ تشول قبل حرقه. نتائج تشريح الجثة التي من شأنها أن تكشف زيف النظام واساليبه التعسفية والتي تحاول أجهزة النظام تغطيتها. وتعمل على إعاقة وسائل الإعلام من الوصول الى الحقيقة . وأعلنت السلطة إن الطالب جونغ تشول توفي بنوبة قلبية .
تمكن صحفي جرئ(يون سانغ سام ) من العثور على النقطة المضيئة في القضية ملف تشريح الجثة و بمساعدة المدعي العام الذي رفض أعطاء تصريح بدفن جثة الطالب المغدور من دون تشريح للجثة ، من أجل الحفاظ على سلطة الحكومة وابعاد الشبه عنها ، تم إلقاء اللوم على خمسة محققين في قسم مكافحة للشيوعية على الرغم من أنهم ينفذون الأوامر فقط . غسلت الشرطة والوزارات والرئيس أيديهم من القضية . فشل مدير جهاز مكافحة الشيوعية بارك إنقاذ رجاله. في تلك المرحلة أدرك أن الدولة خانته . الدولة لا تهتم بعمله الشاق .
يمكن اعتبار عام 1987 هو العام الذي بدأت فيه كوريا الجنوبية في أن تصبح دولة ديمقراطية مع انتخابات حرة . لكنها كانت رحلة طويلة حتى ذلك الحين ، وكثيرا ما تناولت السينما الكورية هذا الموضوع في الكثير الأفلام . ومع ذلك ، فيلم ” 1987: عندما يأتي اليوم ” يبدو أكثر صدقا من الأعمال الأخرى من هذا النوع . بأمر من النظام العسكري الديكتاتوري لتشون دو هوان وبتنفيذ مسؤول الاستخبارات الكورية بارك (كيم يون سيوك) وجهاز مكافحة الشيوعية يزج الشباب اليساري والشيوعيين في المعتقلات . أزدادت وتيرة الاحتجاجات وأدت المظاهرات الطلابية ضد الديكتاتورية إلى إدراج المزيد من الطلاب على قائمة بارك المستهدفة . في أوائل عام 1987 توفي الطالب المتظاهر بارك جونغ تشول نتيجة تعرضه للإيهام بالغرق من قبل الشرطة في مكتب التحقيقات المناهض للشيوعية وعمل رجال السلطة الديكتاتورية لإبقاء الوفاة طي الكتمان بينما حاول الصحفيون والطلاب وحتى المدعي العام الكشف عن الحقيقة . كانت وفاته بمثابة حافز لإنطلاق إنتفاضة يونيو الديمقراطية عام 1987 التي غيرت بسرعة المشهد السياسي للبلاد .
يقوم كاتب السيناريو كيم كيون تشان والمخرج جانغ جون هوان بعمل لا تشوبه شائبة في تقديم قصة مفجعة وملهمة . بالإضافة إلى المعارضة السياسية ، لتشكيل نواة المقاومة التي انتشرت خلال أحداث يونيو الحاسمة. في 13 يناير 1987 اعتقلت الشرطة الناشط بارك جونغ تشول ، رئيس مجلس الطلاب في قسم اللغويات بجامعة سيول الوطنية. أثناء الاستجواب رفض بارك الاعتراف بمكان وجود أحد زملائه النشطاء . استخدمت السلطات أساليب الإيهام بالغرق لتعذيبه عند التحقيق معه ، مما أدى إلى وفاته اختناقا في 14 يناير/كانون الثاني . في 7 فبراير/شباط، شهدت المسيرات الاحتجاجية التي نظمت تخليدا لذكراه اشتباكات مع الشرطة في جميع أنحاء البلاد . تعاونت الجماعات البوذية مع المعارضة وسمحت باستخدام معبد جوجيسا في سيول كقاعدة للتجمعات على مستوى الأمة . في 23 مايو/أيار، عقد اجتماع لجماعات المعارضة، وأعلنت أنها ستنظم مظاهرات حاشدة في 10 يونيو/حزيران واتخذ هذا الائتلاف اسم الائتلاف الوطني من أجل دستور ديمقراطي . يركز هذا الفيلم المؤثر على تستر الحكومة الفاشل على تعذيب وقتل الطالب الجامعي بارك جونغ تشول ، وكيف أثارت الفضيحة احتجاجات أطاحت في النهاية بديكتاتور. الفيلم سريع الخطى ويشبه إلى حد ما مشاهدة فيلم وثائقي . نحن مدعوون لرؤية ضمير الغائب دون راوي يشرح من هو المتورط . كما أننا لا نسمع صراعات داخلية من الشخصيات. يتم تصويرها جميعا من خلال مشاهد وتعبيرات مظلمة ، ونارية ، ومؤثرة ، وغاضبة ، هذا ما يجعل مدير جهاز مكافحة الشيوعية بارك ، الذي يلعب دوره كيم يون سوك ، يحصل على ثلاث جوائز كأفضل ممثل من خلال هذا الفيلم . ينتهي الفيلم بأغنية بعنوان “عندما يأتي اليوم” ، والتي تعطي الفيلم عنوانه. هناك مقطع فيديو لحشد من المتظاهرين ينشدون الاغنية ، يسيرون في الشوارع ويلوحون بالأعلام الوطنية . شعب بأكمله يشارك في مظاهرات سلمية من أجل مستقبل أفضل ، لا يمكن التغاضي عن هذا التاريخ .
الفيلم يؤرخ لمرحلة مهمة من التاريخ الكوري الجنوبي
يتناول الفيلم منظورين: منظور الحكومة التى تحارب الشيوعية ولذلك يتم محاربة الطلبة والمعارضة لحماية الدولة من السقوط فى الشيوعية التى كانت تحكم فى كوريا الشمالية حسب تبريرهم للعنف مع الجماهير الغاضبة من العمال والطلبة ، وذلك الجيل من الشباب بالتحديد الذي إتسم بتعاطفه مع شمال كوريا لتحقيق حلم التوحيد و ظهر أيضاً موقفه المعادى للولايات المتحدة ألامريكية وسياستها الأستعمارية، ولذلك لا يوجد مانع من استخدام القوة المفرطة وممارسة أقصى أنواع القهر تحت ذلك المسمى (التواطؤ مع نظام الرئيس الكوري الشمالي آنذاك كيم جونغ إيل ) . فيلم 1987″: عندما يأتي اليوم ” إنتاج عام 2017 ، يأخذ قصة حقيقية عن قتل طالب خلال جلسة استجواب مناهضة للشيوعية وأثار موته اضطرابات سياسية هائلة عبر تاريخ كوريا الجنوبية. تبدأ قصة الفيلم بجثة لطالب تعرض للتعذيب حتى الموت على يد الشرطة السرية المناهضة للشيوعية . في هذا الفيلم تظهر وحشية الشرطة والتعذيب الذي مارسته السلطة الدكتاتورية ، وهذه الحوادث والتجاوزات لا تزال تحدث الآن في أي مكان في العالم تحكمه الانظمة التعسفية .
الطلاب اليوم هم قادة التغيير
خلال حرب فيتنام في سبعينيات القرن الماضي أضرب طلاب الجامعات الأميركية مثل جامعة ييل وجامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل، ثم أغلقت بعدها أكثر من 450 مركزاً تعليمياً من الجامعات والكليات والمدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية بسبب الإضراب الجماعي للطلاب والذي شارك فيها أكثر من 4 ملايين طالب احتجاجاً على مشاركة الولايات المتحدة في حرب فيتنام، واليوم تعيد الجماهير الطلابية سيناريو الاحتجاجات الطلابية من جديد ولكن هذه المرة من أجل أهلنا في غزة. المظاهرات التي اجتاحت العديد من الجامعات تنديداً بالحرب الدائرة في غزة تعيد إلى أذهاننا موجة المظاهرات الطلابية التي شهدتها الولايات المتحدة يوماً بعد يوم خلال سبعينات القرن الماضي وما تلتها من سنوات عاصفة، فمثلما اعتصم طلاب الجامعات الأميركية داخل الحرم الجامعي في سبعينات القرن ثم خرجوا إلى الشوارع رافعين شعارات الاحتجاج والغضب لحرب فيتنام ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والمطالبات الأخرى . بعد أسابيع من هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر وحتى نوفمبر 2023 تجمع مئات الطلاب في وسط الحرم الجماعي احتجاجاً على قرار جامعة كولومبيا بتعليق مجموعتي طلاب من أجل العدالة في فلسطين ، وعلى الرغم من التحذيرات الجامعية التي تضمنت خطاباً تهديدياً شديد اللهجة إلا أن المجموعتين النشطتين استمرتا بإقامة الفعاليات الطلابية في الحرم الجامعي، فبعد مرور أكثر من ستة أشهر على اندلاع حرب غزة لم تتوقف الاحتجاجات المؤيدة للشعب الفلسطيني بل تواصلت لنيل حقوقه المشروعة في الجامعة ذاتها في نيويورك ، وبصوت واحد أصدر الطلاب في الجامعات الأميركية دعوات لوقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، والمطالبة بسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الاسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب، الاحتجاجات الطلابية التي عمّت معظم الجامعات الأميركية في الولايات المتحدة الأميركية هي درس عظيم للتاريخ ابتداء من فيتنام 1970 وحتى غزة 2024 تلك هي رسالة للعالم أجمع تفيد بكل ما فيها من معانِ أبرزها أن الطلاب اليوم هم قادة التغيير . الفيلم الكوري الذي يعتبر وثيقة تاريخة للتحول الديمقراطي في كوريا الجنوبية دليل على قدرة الجماهير الطلابية في التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد . الفيلم يتحدث عن دور الجماهير الطلابية في إنطلاق الشرارة الأولى لإنتفاضة يونيو الديمقراطية في عام 1987 ، والتي كسرت كوريا حينها قيد الديكتاتورية التي قيدتها لمدة 18 عام وتحولها الى النظام الجمهوري الديمقراطي السادس والقائم الى يومنا هذا . يعكس الفيلم الى جانب دور طلاب الجامعات دور الصحفيين والضمير الحي في نجاح ثورات التحرر من انظمة الاستبداد . وبالطبع يعكس أيضا طرق واساليب انظمة القمع المعتادة في محاولات كسر الناشطين واتهامهم بتهديد الامن القومي والعمل لأجندات خارجية وكيف بالفعل هذه الانظمة تصنع نهايتها بإيديها .
في الختام :
لماذا ثمن الحياة الانسانية غالى برغم إنها مُنحت إلينا بدون مقابل؟ ، لماذا نتمسك بشعارات نعلم جميعاً إنها أفكار تمثل صورة مجرد صورة عن الواقع ولكنها ليست الحقيقة فلا يوجد أحد يمتلك بيده الحقيقة المطلقة لإن البشرية مهما وصلت من صورة التقدم والحضارة -التى تزعم بوجودها- فهى لم ولن تستطيع أن تمتلك الحقيقة أو تفهم ما هو المناسب للواقع . لما كل ذلك العنف والحروب والقهر والدماء فى عالم مؤقت وسلطته لم ولن تكن فى أيدينا نحن؟ . أحترم هذا النوع من الأفلام التى تجعلنى أعاصر حياة تاريخية مختلفة لبلد مختلفة عنى تماماً وأتاثر بها بل أحزن وأتألم كما تألم الشعب الكورى وقتها .اشعر بإننا جميعا نشبه بعضنا البعض بمشاكلنا وفرحتنا وحزننا، تعانى البشرية جميعاً من نفس المشاكل وتسعى لنفس الحلول وتريد أن تحقق نفس الامال لأننا نتشابه برغم اختلافتنا وبُعدنا بالقارات والانظمة والتصنيفات وما إلى غير ذلك ، وهى من تجعلنى اتذكر انسانيتى واحساسى بإننا ننتمى جميعاً لنفس ألرحلة . إنها رحلة الحياة فما أعظم القصص والافلام التى تخلق هذا النوع من التواصل .