فيلم ( الخصم ) قصة اللاجئ إيراني في السويد ويعكس قضايا حول الحرية والأندماج
علي المسعود
منذ فجرالتاريخ كانت الحروب والمجاعة والاضطهاد السياسي جزءا من حياتنا على مدى العقود الماضية، ونتيجة لذالك كنا نشهد أزمة لاجئين جديدة، حيث جلبت الصراعات في الشرق الأوسط آلاف الأشخاص إلى أوروبا. وبما أن الفن هو طريقتنا المفضلة لفهم العالم من حولنا بشكل أوضح، فليس من المستغرب أن نجد المزيد والمزيد من قصص اللاجئين في والسينما والمسارح. بينما تركز معظم هذه
الأفلام على صراع الثقافات أو التحيز أو الأندماج مع البيئة والمجتمع الجديد وكذالك العقبات المادية . يستخدم فيلم “خصم” لميلاد العلمي أزمة اللاجئين كخلفية لسرد قصة مؤثرة عن الأضطهاد السياسي والقيم العائلية. الفيلم الروائي الثاني للكاتب/المخرج ميلاد العلمي قصة مشدودة وفي الوقت المناسب للاجئ إيراني في السويد تعكس قضايا أوسع بكثير حول الحرية والتسامح وحكاية شخصية ، حيث جاء المخرج العلمي إلى السويد عندما كان في السادسة من عمره ونشأ في شمال البلاد .
“صمتي لم يحميني. صمتك لن يحميك ” بهذا الاقتباس للكاتبة” أودري لوردو” وهي كاتبة أمريكية وأستاذة وفيلسوفة وشاعرة وناشطة في مجال الحقوق المدنية.)، يدخل المشاهد الى عالم الخصم ، محذرا من قوة خبيثة عازمة على تدميرنا من الداخل إلى الخارج، مما تؤدي إلى تآكل الروح. تقطع الرسالة عبر شاشة بيضاء حليبية، يبدأ فيلم (الخصم ) حين يتناهى الى أسماعنا أصوات تمزق الظلام من وضجيج صالة الألعاب الرياضية، وممارسة لعبة المصارعة ، وصوت يسال عن مكان وجود المصارع أيمان وهو بطل وحائز على بطولات دولبة . أفتتاحية الفيلم مع وصول رجال من جهاز الامن الايراني الى المركز الرياضي في طهران سعيا للقبض على المصارع المحترف إيمان (بايمان المعادي). لكن (إيمان) ينجح من التسلل من المركز التدريبي من الباب الخلفي ويركض للنجاة بحياته. بينما يختبئ إيمان خلف شجرة ويراقب من بعيد كيف يجبر رجال الأمن رفيقه على الدخول إلى سيارتهم . بعد هذا الرعب يقرر الهروب مع عائلته الى الى السويد والانتقال إلى زاوية نائية في شمال السويد، ويسكن في فندق تم تحويله الى مركز للاجئين. هذا موطن إيمان وزوجته الحامل مريم (مارال ناصري) وبناتهما عسل (نيكول مهربود) وسحر (ديان فرزامي)الجديد . يكسب إيمان لقمة العيش عامل من خلال توصيل البيتزا بواسطة عربة الثلج، ويجلب الطلبات المتبقية إلى المنزل لعائلته لتناول العشاء – “بيتزا مرة أخرى؟” نسمع تتنهيدة الفتيات ومللهن من تناول نفس الوجبة يومياً .في انتظار قرار السلطات السويدية بشأن طلب لجوء الأسرة. وسط التدفق المستمر للاجئين صاروا ينتقلون من غرفة ضيقة إلى أخرى أضيق ويزداد الأمر سوءاً، زوجة إيمان مريم حامل بطفلها الثالث وتأمل أن تساعد حالتها قضيتهم في وضع اللاجئ . يعمل اللاجئ الأيراني (إيمان) بتوصيل البيتزا من أجل لقمة العيش وينتظر أخبار طلب اللجوء الخاص بهم. ينغمس الفيلم في التفاصيل اليومية للحياة في بلد أجنبي، من الاعتماد على المترجم للتواصل إلى تضحيات مريم التي كانت في السابق طالبة موسيقى ومعلمة بيانو أصبحت الآن ربة منزل وتعاني من الفراغ في حياتها . كشخص ولد في إيران ونشأ في السويد الكاتب والمخرج مبلاد العلمي يمتلك منظور فريد عندما يتعلق الأمر باستكشاف التحديات التي يواجهها اللاجئين بشكل عام الإيرانيون بشكل خاص في شمال أوروبا مستفيداً من تجربته الشخصية .يصور المخرج المشاهد بالمناظر الطبيعية الجليدية، حيث تقوم الذئاب بدوريات في المناظر الطبيعية وتبحث الرنة والماعز عن ملجأ بين البشر، هذا الملجأ هو شمال السويد وهذا هو المكان الذي تبحث فيه إيمان وزوجته وابنتيه عن فرصة جديدة بعيدا عن الوطن الإيراني. لا يعني ذلك أن الدول الاسكندنافية مضيافة بشكل خاص، بل العكس ، يتم رفض طلب اللجوء بشكل دوري من خلال المحامين الذين لا يتكريمون حتى للقاء اللاجئ لمتابعة قضيته وجها لوجه. مأوى اللاجئين هو إهانة أخرى، الغرف تتغير وبشكل متناوب مستمر بحيث لا يسمح لك بالتجذر أو الشعور بالأمان أو الراحة .
بعد عامين في السويد لا تزال عائلة إيمان عالقة في الجحيم البيروقراطي في انتظار قبول طلب اللجوء. في هذه الأثناء، يكافح إيمان لتعلم اللغة السويدية ويحاول أن يحصل على تعليم مناسب للبنتين ويظل مرساة عائلته. وكان على استعداد لتنسيق حياته كلها وفقا للتوقعات السويدية حول كيفية تصرف اللاجئ واندماجه مع المجتمع الجديد ، يقرر اللاجئ الإيراني (إيمان ) العودة إلى حلبة المصارعة، على أمل أن تكون موهبته المذهلة في هذه الرياضة وسجله الدولي وسيلة لتسهيل قبول طلب اللجوء بعد تمثيل السويد في المنافسات الأولمبية ، وتساهم في الاسراع في قبول طلبهم للجوء رغم أعتراض الزوجة على هذا القرار. وسط العرق والعضلات والأجساد العارية . تعمل الرياضة أيضا كمحفز لاستكشاف تفاصيل هجرة إيمان وصراعاته الزوجية مع زوجته. عندما يبدأ فيلم الخصم في التألق ، حيث يتحول الفيلم إلى دراسة شخصية فريدة . يقاتل إيمان ضد نفسه ومحاصرا بين واجباته العائلية ورغبته في الاستقلال ، ويحاول أن يتغلب على قيود تسمية اللاجئين . تركيز المخرج على وضع اللاجئين واستكشاف شامل لما يعنيه أن تكون رجلا ومسؤولاً عن أسرة في كل من إيران والسويد. يحول العلمي قصة اللاجئ إلى قصة عالمية لرجل يحاول معرفة ماذا يريد أن يكون بينما تكون محاصرا بالتوقعات الاجتماعية وتطارده خطاياه الماضية. من المفيد أن يصور المخرج ميلاد العلمي بطله المصارع الأيراني والبطل ألاولمبي واللاجئ الأن في السويد على أنه متناقض ، حيث يتصرف الأب أحيانا كطاغية لعائلته بينما يكون مستعدا أيضا للتضحية بكل شيء من أجل سلامتهم ، يقوم الممثل الأيراني “بيمان المعادي ” بعمل مذهل في دور إيمان، حيث ينجح بعكس تعبيراته وهواجسه الدقيقة لفضح التكوين الداخلي لشخصيته حتى عندما تمنعه الحواجز اللغوية من التعبير عن رأيه . . إيمان المصارع الذي كان يمثل المنتخب الوطني الإيراني في مسابقاته الدولية صار مطلوبا لانه معارضاً للنظام وربما شارك في مسيرة مناهضة للحكومة ودفع بنفسه وبعائلته ثمن ذالك في العيش في غرفة واحدة في ملجأ للاجئين في السويد، “بالقرب من الحدود الفنلندية”، في حين تفتقد البنات أصدقائهن وتخسرمريم عملها وشغفها كعازفة ومدرسة للموسيقى .
كانت قصته الأولية هي أن زميله في الفريق الغيور اتهمه زورا بأنه مشارك في التظاهرات المناهضة للنظام الايراني وقدم طلب اللجوء على اعتباره (معارض). ثم يحاول الاستفادة من حقيقة أن زوجته حامل في تسريع طلبه وعند سماعه أن نخبة الرياضيين قد يحصلون على إعفاء خاص، ينضم إلى نادي المصارعة ضد رغبات زوجته ، لكنه يأمل تمثيل السويد في البطولات الدولية ، هناك يلتقي بالمصارع السويدي توماس الذي يصبح أقرب الاصدقاء له و يساعده في التواصل مع الفريق وتأهل لمعسكرات التدريب الدولية، في أحد المعسكرات التدريبية يصطدم مع أعضاء من فريقه الإيراني السابق ويدخل في معركة وأحتدام مع أحدهم . العودة إلى رياضة ربما وضعته في ورطة في المقام الأول. تحتج مريم على قرار إيمان بالعودة إلى المصارعة من خلال الإشارة إلى الأحداث الماضية . في النهاية، يخترع قصة غربية من أجل الحصول على فرصة اللجوء حين يعترف لضباط اللجوء بأنه مثلي الجنس، وكان على علاقة مع زميل مصارع لترسيخ قضيته للبقاء في البلاد. وهذا ما جعله في ورطة مع زوجته التي تقرر “العودة إلى أيران “، مع البنات رغم انها على وشك الولادة . بغض النظر عن المخاطر التي قد تصيبهم – بما في ذلك الضغط عليه لجعله يعود . وبالفعل تعود مريم الى بيتها في طهران ويولد الطفل هناك وتستعيد عملها كمدرسة للموسيقى والباليه . كان يجب أن ينتهي الفيلم مع الزوجة التي تعزف على البيانو، والأطفال يهتفون فرحين ، لكن المخرج يصدم المشاهد بعود أيمان الى بلده أيران وأعتقاله من قبل ألأجهزة الامنية .
يدور فيلم “الخصم” بشكل أساسي حول رجل على خلاف مع نفسه، لكن المخرج العلمي يذهب بعيداً عن حكاية المصارع أيمان ويركز على معاناة اللاجئين ومتاعبهم الشخصية في الأندماج مع المجتمع مع الحفاظ على أرثهم وعاداتهم وتقاليدهم من خلال بعض المشاهد ترسم صورة لمصاعب حياتهم .
وفي أجابته عن ولادة فكرة الفيلم الذي يتراوح بين بيئتين وعالم المصارعة ، أجاب المخرج ” ميلاد العلمي ” : بدأت الفكرة في الظهور بينما كنت أنهي الساحر. هناك مواضيع موجودة في كلا الفيلمين. كنت مهتما باستكشاف الذكورة والعنف مرة أخرى بطريقة أكثر مباشرة وفورية . كنت على دراية بعالم اللاجئين في شمال السويد حيث وصلت عندما كنت طفلا في السادسة من عمري، في عام 1988. أردت التقاط نفس البيئة التي تذكرتها – بلدة صغيرة محاطة بالجبال الجميلة ولكن أيضا جليدية ومظلمة لقد صورنا الفيلم بالفعل في مركز للاجئين ليس بعيدا عن المكان الذي وصلت إليه كطفل لاجئ في السويد. أحد الأشياءالغريبة التي حدثت هو أنه في يوم من الأيام، قال أحد أفراد الطاقم إن امرأة في السبعينيات من عمرها اقتربت منهم وذكرت أنها معلمتي عندما جئت إلى السويد. لقد أظهرت لي رسما عملته وأنها احتفظت به. كان غريبا جدا. لذلك أعطيتها دورا صغيرا في الفيلم”. ويضيف ” على مستوى أعمق، يدور الفيلم حول الحرية، وانعدام الحرية. إذا نشأت في مجتمع قمعي وخاضع للرقابة مثل إيران، حيث يتم تقييد حريتك، ووصلت إلى عالم حر مثل السويد – فكيف تستخدم هذه الحرية بالفعل؟ كان العنوان بالنسبة لي مثيرا للاهتمام لأن إيمان يقاتل ضد نفسه، وهناك ازدواجية قوية بداخله. إنه حر ولكن لا يمكنه الوصول إلى نفسه الحقيقية بشكل كامل ” .
المخرج ( ميلاد العلمي) سويدي ولد في إيران عام 1982، ويقيم الآن في الدنمارك. درس في المدرسة الوطنية في الدنمارك. وقد عمل في التلفزيون والمسلسل القصير، في حين تم ترشيحه لست جوائز في مهرجان برلين هذا العام .تلقى ميلاد ألعلمي تعليمه في الدنمارك وقدم فيلمه الروائي الطويل لأول مرة مع فيلم ” الساحر ” في عام 2017، الذي عرض لأول مرة في مهرجان سان سيباستيان السينمائي وحصل على العديد من الجوائز . سبق وان تعرفنا على الممثل بايمان المعادي من أفلام عديدة لمخرجين إيرانيين لكنه لم يلعب أبدا شخصية مثل شخصية المصارع إيمان المعارض الهارب و اللاجئ الإيراني الذي يعيش في السويد ، تميز في أداءه الممثل ( بايمان معادي ) الذي ولد في نيويورك لأبوين إيرانيين وانتقل إلى إيران عندما كان عمره عامين ، فاز بجائزة الدب الفضي في برلين لأفضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي الحادي والستين ، لدوره في الانفصال (2011) للمخرج الايراني المعروف أصغر فرهادي. من خلال هذه الحكاية اللاجئ الايراني يستكشف المخرج ” ميلاد ألعلمي” الواقع الصارم لحياة اللاجئين بعين لا تتزعزع . من الانتظار الذي لا نهاية له لجلسات المحكمة وعمليات النقل امستمرة إلى البحث المتلهف عن العمل وعدم القدرة على التأقلم، يصورالمخرج السويدي -الايراني ميلاد العلمي تجربة طلب اللجوء بواقعية صارخة، ويلتقط بيأس عملية لا تنتهي بالضرورة بنهايات سعيدة . مدعوما بأداء متميز من قبل الممثل بيمان المعادي، ينقل أداء الممثل المعادي إحساسا بأنه رجل منقسم وممزق بين رغباته والروابط التي تربطه بعائلته . يلتقط المصور السينمائي” سيباستيان وينترو “صورا مذهلة للأراضي القاتمة المغطاة بالثلوج في نوربوتن ومن خلال صرخة ذئب في البرية يرسم لنا صورة مبهرة من مناظر الطبيعة الجليدية . يرسم الفيلم قصة شخص لديه خيارات قليلة متبقية في الحياة . أراد المخرج التذكير بواقعة أعدام المصارع نافيد أفكاري (27 عامًا)، داخل سجن عادل آباد في شيراز ، بعد مشاركته في الاحتجاجات العارمة شهر أغسطس/ آب 2018 حين خرج متظاهرون إلى الشوارع في جميع مدن إيران بسبب الأوضاع الاقتصادية والقمع السياسي . ونفذ حكم الاعدام على الرغم من المطالبات الدولية لمنع ذلك . الفيلم تطرق إلى العديد من الموضوعات تتعلق بحقوق الإنسان وحرية الرأي وكذالك النضال من أجل التكيف مع بلد ولغة جديدة .