القفز على الحقيقة.. أحد مظاهر الأزمة السياسية العراقية
عصام الياسري
على رغم من سوء الأوضاع وتعري طبيعة النظام الطائفي التوافقي في العراق، وتخلف عقول الطبقة الماسكة بالسلطة ومنتسبيها من أصحاب العمائم الذين أفسدوا مؤسسات الدولة وحولوها إلى مراكز تمويل تابعة لأحزابهم. من المؤسف أن بعض الأحزاب والقوى السياسية العلمانية غير المشاركة في الحكومة ومجلسيها، التشريعي والتنفيذي، لا زالت، تزرع الأوهام داخل المجتمع العراقي والأوساط الدولية لذر الرماد في العيون. حيث تؤكد في أحاديثها، على المستوى الخطابي والإعلامي والأيديولوجي، بأن النظام في العراق على الرغم من كل ما يحصل من استبداد وتسلط وقمع وفساد تمارسه الاحزاب الطائفية، هو نظام ديمقراطي. إن مثل هذه المواقف لهذه المنظومة السياسية، لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال جديرة بتحمل المسؤولية الإدارية للدولة، بل إنها تشكل أحد مظاهر الأزمة العراقية بسبب مواقفها غير الثابتة: بين ازدواجية المعايير وإعادة رسم تحالفات غير متوازنة.
وبالتالي ستصبح بحكم الواقع امتدادا لما هو قائم فيما إذا لو حدثت معجزة وتصدرت الحكم في البلاد. وبالتأكيد، سوف لن تستطيع مع تفاقم التخلف العقائدي الولائي والتبعية المأجورة خارجيا من إجراء أي إصلاح سياسي ومجتمعي أو ملاحقة الفاسدين وإعادة هيبة الدولة. وفي ظل مثل هذا العجز السياسي تحول في كثير من الأحيان الإعلامي والمثقف من داعية لرأي وعقيدة متنورة، إلى ناصية لطبقة الإسلام السياسي، ينقلب على كل التقاليد الوطنية الموروثة منذ عهود على المستوى السياسي. لكن السؤال: إلى متى يصدق المواطن العراقي، ابن مهد أول ملحمة شعرية وصاحب أعرق حضارة إنسانية، مثل هذا الاضطراب السياسي والفكري الذي يتجاهل كم يلطم الإعصار الدموي وجنات العراق، وكيف تحيط مجتمعاته سيكولوجية القبول بالأمر الواقع في زمن اختلطت فيه المعايير وانعدم الحياء. حيث يبدو الرافض للطائفية وإدارتها للدولة، في عرف الخونة عندما ينتفض ،عميل.
والخائن لقدسية أرض الرافدين وشعبها، وطنيا، يكافأ بمقدار حجم الخيانة والرشوة والكذب والزور والتلفيق.
وبدافع التغطية على سلوكها السياسي الأيديولوجي الجدلي، لاتزال العديد من الأحزاب والحركات السياسية، تمارس أساليب انتهازية، تغازل تارة المجتمع العراقي على أنها مع تغيير النظام الطائفي، ومن جانب آخر، تدافع عما يسمى بالعملية السياسية والديمقراطية المزعومة، وهي بذلك تساوم أصحاب السلطة على حساب مصالح الشعب واستقلال العراق وأمنه.
لكن هل يمكن الدفع بالحقيقة إلى زاويا المجهول وكل عراقي بما في ذلك الجيل الجديد، يعرف حجم أحزاب وقوى خارج السلطة ودورها الحقيقي في سياق الانتخابات المحلية المقبلة وتأثير نتائجها على تطور الأحداث في العراق لاحقا.
إن جر العراق للخراب، تحت لافتة الخوف على الحرية والديمقراطية والعملية السياسية الزائفة، التي روج لها الاحتلال، في حين طريق الوصول إليها كلها، لا زال طويلا على العراقيين، ومظاهر العنف بحق المتظاهرين ومأساة النازحين والمتغربين عن ديارهم في الداخل والخارج، خير دليل على مبالغة البعض في تسويق العهر الديمقراطي في سوق الضحالة السياسية. لا تستيقظ ضمائرهم، بقدر انجذابهم نحو المجد والنفوذ والمال… وبين هذا وذاك، فالجميع تعوّد على تجاهل الحقيقة والنصب وتسويق المجاملات السياسية في صالونات أقطاب السلطة وخارجها. بموازاة تصدي أحزاب الإسلام السياسي، الشيعي السني، والكرد، إلى تزييف الواقع العراقي للتغطية على مظاهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعاني منها المجتمع العراقي، وتصويرها، على أنها ظاهرة عابرة ستزول أسبابها…
لكن هذا ليس إلا نوعا من الدجل الذي يقود العراق إلى كارثة وطنية بطريقة مدروسة فكريا وإعلاميا وبتوجيه دوائر أجنبية منذ اليوم الأول للاحتلال.