الفيلم الوثائقي “بدرس” لجوليا باشا..
يحكي قصة قرية فلسطينية في الضفة الغربية
عصام الياسري
السينما من أجل السلام.. توجه الأنظار لوقف الإبادة الجماعية في فلسطين
فاجأ الفلسطينيون، أبناء غزة المحاصرة، فجر السابع من أكتوبر 2023 العالم، بعبور جدار الفصل العنصري لإعادة قضيتهم إلى الواجهة ولفت الأنظار حول معاناتهم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من خمسة وسبعين عاما.
في اليوم التالي قامت الحكومة الإسرائيلية بإعطاء الأوامر للجيش لشن هجوم عسكري كبير الحجم على غزة، استعملت فيه الأسلحة المتنوعة، الطائرات والصواريخ والمدفعية والدبابات على نطاق واسع… بعد شهرين ونصف من استمرار حرب الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ. نشرت “مؤسسة السينما من أجل السلام”، على موقعها، وهي مؤسسة لها فروع في العديد من دول العالم، عنوانا: “اليمنيون يبطئون تدفق النفط العالمي في البحر الأحمر” إلى جانب تذكيرها بأحداث فيلم “بدرس” لجوليا باشا. القصد كان بالارتباط مع تفاقم الحرب الهمجية وآثارها الخطرة على الصعيدين البشرى والبيئي. وتمادي أمريكا والدول الأوروبية في تزويد إسرائيل بكل أنواع الأسلحة والمعونات المختلفة مع صمت عربي ودولي يزيد من حماقة الحكومة الاسرائلية للاستمرار في حرب الإبادة الجماعية. فضلا عن توجيه الأنظار إلى معاناة الفلسطينيين وما يتعرضون له من دمار واضطهاد وتمدد “المستوطنين” إلى مزارعهم واغتصاب أراضيهم بالقوة.
في فبراير عام 2010 وخلال الدورة 60 لمهرجان برلين السينمائي الدولي “برليناله”، كانت فرصة لمشاهدة الفيلم التسجيلي “بدرس” لمخرجة الأفلام الوثائقية جوليا باشا، البرازيلية من أصل لبناني، بمعية الصديق الناقد السينمائي المصري الراحل سمير فريد والصديق المخرج السينمائي العراقي قيس الزبيدي. وخلال حفل تكريم الفيلم بجائزة “بانوراما” للجمهور، التقينا مخرجة الفيلم وبعض أبطاله وجرى بيننا حوار لا يخلو من الأسئلة حول الفيلم، الذي يدور حول مظاهرات غير عنيفة قام بها سكان بلدة “بدرس” الفلسطينية خلال أوائل عام 2000 للاحتجاج على بناء جدار الفصل الإسرائيلي في الضفة الغربية.
“بدرس” فيلم وثائقي مثير للتفكير، يحكي قصة قرية فلسطينية في إحدى بلدات محافظة رام الله في الضفة الغربية، وجدت نفسها في قبضة إقليمية مخيفة عندما بدأت الحكومة الإسرائيلية في بناء الجدار العازل في عام 2003 لتقسيم البلدة، التي يبلغ عدد سكانها 1500 نسمة، وتطويقها مما أدى إلى فقدان 300 فدان من الأراضي و3000 شجرة زيتون. لم تكن هذه الأشجار حاسمة للبقاء الاقتصادي فحسب، بل كانت أيضا مقدسة لتاريخ المدينة بين الأجيال، وكانت سبل عيش القرويين تعتمد بشكل كامل على أشجار الزيتون التي اقتلعتها جرافات الجيش بوحشية لبناء “الحاجز”، الذي يتعرج مساره بطريقة تعزل المجتمعات عن بعضها البعض وتجعل عيش المواطنين الفلسطينيين شبه مستحيل.
إنه حبكة سينمائية، تكشف قصة “عايد مرار”، الناشط الفلسطيني الذي ينظم مقاومة معلنة غير عنيفة تشارك فيها جميع الفصائل السياسية الفلسطينية المحلية، بما في ذلك حماس وفتح في حركة غير مسلحة لإنقاذ قريته من الدمار بمساعدة الليبراليين الإسرائيليين المتعاطفين والمراقبين والناشطين الدوليين. وبالطبع فإن “اللاعنف” يتعرض للضغط عندما يصطدم بقوات الجيش الإسرائيلي التي تقاوم المتظاهرين بقوة. أدى حراك عايد إلى تداعيات بعيدة المدى، اعتقال خمسة أشخاص من أبناء بلدته في السجون الإسرائيلية، لكن قراره الاستراتيجي، بقي ثابتا: “أفضل ما يمكن لمعارضة الجدار، هو المقاومة اللاعنفية”.
نشاهد في الفيلم كيف منظم الحركة في بدرس، عايد مرار: يوحد أبناء القرية ويشجع مئات المناصرين الإسرائيليين لقضيتهم على العبور إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة والتظاهر معهم دعما لقريته. ابنة عايد “التزام” البالغة من العمر خمسة عشر عاما، تحفز شجاعتها القرية بأكملها وتؤكد أهمية المرأة في الحركة. هي المرة الأولى التي يلتقي فيها معظم شباب القرية بإسرائيليين ليسوا جنودا أو مستوطنين في بدرس. كوبي سنيتز ناشط إسرائيلي شارك في المظاهرات. أحمد عواد عضو في حماس ساعد عايد في تعزيز “اللاعنف كأداة استراتيجية، الأنسب، لتحقيق أهداف القرية”. مشاركة نشطاء إسرائيليين في المظاهرات، ترك انطباعا يبين: بالفعل أن هناك إسرائيليين يريدون السلام مع الفلسطينيين. وفي المسيرات الأصوات الإسرائيلية في الحياة الحقيقية فاقت التوقعات. لم يكن مجرد شيء سمعت عنه ياسمين ليفي، قائد الفرقة المكلف بحمل القرية على وقف احتجاجاتها: تتطور علاقة معقدة لها مع النساء في القرية اللواتي يناديها بالاسم في هتافاتهن.
ما يلفت الانتباه في فيلم الباشا هو أنه يعرض شيء عن الجدار الإسرائيلي، الذي لا يفصل الفلسطينيين عن بعضهم فحسب، بل يتجول في الأراضي الفلسطينية، متعرجا وملتفا: الفكرة ليست مجرد وقف العبور إلى إسرائيل، بل فرض الشلل سرا داخل المنطقة الفلسطينية نفسها. في نهاية المطاف، تتراجع الحكومة الإسرائيلية وتكتفي بخط تقسيم بسيط حول “بدرس”. وتترك لنا الباشا، ما إذا كان هذا انتصارا كبيرا للفلسطينيين أم وسيلة ماكرة لحملهم على قبول الجدار من حيث المبدأ.
ظهر فيلم “بدرس” لأول مرة في مهرجان دبي السينمائي في 13 ديسمبر 2009. وتم إصداره للعرض في فبراير 2010 في مهرجان برلين السينمائي. وفي سبتمبر 2010 في المملكة المتحدة. وفي أكتوبر 2010، في الولايات المتحدة) نيويورك. وهو فيلم لعام 2009 من إخراج وسيناريو جوليا باشا وإنتاج رونيت أفني ورولا سلامة وجوليا باشا. احتل المرتبة الأولى لقائمة النقاد على موقع مراجعة الأفلام ومقره بريطانيا، ويضم كبار النقاد السينمائيين حيث أعطي الفيلم أربعة من أصول خمسة نجوم. ووصف بأنه “شهادة في الوقت المناسب على قوة المقاومة السلمية، وبأنه” فيلم يفتح العين “، لما يثيره من قلق. هو أنه يظهر شيء من الحقيقة عن الجدار الإسرائيلي الذي أصبح يشكل خطر لابتلاع الأراضي الفلسطينية نفسها. كما يقدم صورة صارخة وقابلة للتصديق تماما لصراع الشرق الأوسط في صورة مصغرة. ومن خلال إضفاء الطابع الرومانسي على القرويين والتركيز لتسجيل النقاط السياسية في العديد من المشاهد التصويرية، يمنح الفيلم ركلة عاطفية ثقيلة مع أصحاب الأرض.
تم إدراج فيلم بدرس على” اختيار النقاد “من قبل مجلة نيويورك وآن هورناداي من واشنطن بوست، وحاز على قدر كبير من الجوائز في عدد من المهرجانات السينمائية: برلين وتريبيكا وسان فرانسيسكو وجائزة منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان، جائزة مهرجان بيلينجهام لأفلام حقوق الإنسان. جائزة هنري هامبتون للتميز في السينما والوسائط الرقمية. جائزة ريدنهور للأفلام الوثائقية. جائزة مهرجان القدس السينمائي شرف لأفضل فيلما وثائقيا في جائزة روح الحرية.