الأزمات السياسية تتراكم ومصير العراق يتجه نحو المجهول!!
عصام الياسري
مضي عقدين على احتلال العراق، والقوات الأجنبية الأمريكية لا زالت غير مهزومة، فيما العراقيين منقسمين في تقييمهم لخروج الغزاة من بلادهم هذا إن كانت هذه القوات قد انزاحت بالفعل عن فرض الهيمنة والتدخل في شؤون العراق السياسية والاقتصادية. وإذا افترضنا كما يزعم البعض بأن المحتل قد خرج من بلاد الرافدين، تبقى ثمة حقائق لا يمكن تجاهلها رغم مرور أكثر من عشرين عاما على التغيير: فالوضع السياسي في العراق لازال مرتبكا على درجة كبيرة من التعقيد ولن يغير خروجه أم بقاؤه من الأمر شيئا، لا على المستوى السياسي أو الاقتصادي، ولا على مستوى مؤسسات الدولة وشرعيتها. كما أن عقلية وسلوك أصحاب السلطة الطائفية الشوفينية، سوف لن تتوقف إلا بعد إفراغ العراق من مخزونه المالي وموارده الوطنية الثقافية والحضارية.
وبالعودة إلى الاحتلال الأميركي للعراق، فإن هدفه كان، فقط، لاحتكار موارد النفط والغاز ووضعه تحت سيطرة النفوذ والشركات الأميركية. وأهم من هذا بسط السيطرة على العراق كونه موقعا استراتيجيا مهما في المنطقة. ولأجل تحقيق مشروعه الاستعماري، عمل الاحتلال منذ الأسابيع الأولى بعد الغزو على حل مؤسسات الدولة وأهمها الجيش وجهازي الأمن والشرطة، وتم تسليم شمال العراق إلى الأحزاب الكردية التي جعلته “محميات إقطاعية” خاضعة لنفوذها. ولعبت إيران والأحزاب الطائفية العربية والكردية العراقية دورا أساسيا في دعم المخطط الأمريكي، بهدف تحقيق مآربها لأجل الوصول إلى السلطة والحصول على مكاسب فئوية على حساب مصالح العراق، ناهيك عن مصالح كافة المجتمعات العراقية.
إن ما يسمى بانسحاب القوات الأمريكية بموجب الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية لا يجسد انسحاب كامل من العراق، البلد الذي يعاني من الأزمات والمخاطر الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وإن الإدارة الأمريكية، ليست في وارد حساباتها سحب جميع القوات العسكرية، أو التساهل بما يسمح للحكومة العراقية للتفاوض حول اتفاق جديد يتعرض لمصالحها الاستراتيجية التي تنص عليها الاتفاقية المبرمة عام 2008 بين الطرفين والتي تلزم الطرف العراقي بقبول تواجد الخبراء والعسكريين الأمريكيين وضمان منحهم الحصانة مهما فعلوا، فضلا عن احتفاظها بالعديد من الطائرات والجنود في الكويت والبحرين وأماكن أخرى في الشرق الأوسط بالإضافة إلى أفراد أجهزة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع والخارجية الأميركية لضمان مصالحها في العراق من مقر السفارة في بغداد.
منذ أن تم في زمن حكومة نوري المالكي توقيع الاتفاقية الأمنية، جرت العادة بالتهديد لخروج القوات العسكرية الأمريكية من العراق. ومع تعاقب الحكومات على إدارة شؤون الدولة لازال شأن انسحابها عرضة للتشكيك والانتقاد ووسيلة للدعاية الانتخابية للبقاء في السلطة. الأمر الذي دفع بأصحاب ما يسمى بالعملية السياسية في كل مرة إلى استخدام الذرائع لإعادة النظر بالاتفاقية، آخرها كان خلال لقاء السوداني الأخير مع الإدارة الأمريكية والذي تم فيه تقديم الضمانات لتأمين المصالح الاستراتيجية الأمريكية في العراق أكثر مما كانت عليه… وبعد مضي أيام على لقائه بالرئيس بايدن والعودة لبلاده بسلة تنازلات من العيار الثقيل، وقع رئيس الحكومة العراقية السوداني أثناء لقائه الرئيس التركي أردوغان خلال زيارته الأخيرة للعراق جملة من الاتفاقيات المذلة التي تعرض للخطر الأمن الوطني والجيوديموغرافي لبلد متعدد القوميات والديانات كالعراق. فضلا عن انتشار أعمال العنف باتجاه مزيد من الفوضى والصراع الطائفي الذي يجرى البلاد نحو حرب أهلية محتملة…
إن أخطر ما قام به الاحتلال الأميركي للعراق إثارة النعرات الطائفية والعرقية وتنمية النفاق السياسي والانتهازية في أوساط المجتمع العراقي وإلى جانب تركته الثقيلة على صعيد تدمير العراق بالكامل بما في ذلك البنى التحتية والتنموية والبيئة، وتراجع التعليم وانعدام مراكز الدراسة والصحة والتطبيب، ونشر الفساد الإداري والمالي وتشجيع نهب خيرات وممتلكات الدولة من قبل مسؤولين دون محاسبة أو عقاب. لا زال معظم الشعب العراقي غير مبال بما يحدث للعراق وشأنه الوطني. ولا ثمة مقاومة سياسية حقيقية تستهدف الإصلاح وتغيير الأوضاع بالشكل الذي يضمن مصالح البلد والمواطن… المنطق يقول: عندما يتهاوى أي نظام مستبد، يجب ألا لا يستحيل في ظل “استمرار الخراب والفساد السياسي” أن يتحمل المجتمع المسؤولية لجوهر القضية. دون ذلك سيتحمل النتائج لوحده إن لم يكن شريكا في صناعة أزمة الحكم على الأقل!… سكوت الناس وفساد النخبة وتهريج المنافقين لتضليل الرأي العام والدجل السياسي وتسويف الوقائع، أصحابها شركاء في الجريمة، وجميعهم يتحملون المسؤولية من موقع الحدث كما يقول أحد القضاة العراقيين.
العراق يتعرض جراء المخططات الاستعمارية لخطر الانهيار أو التقسيم كخيار مفتوح. في عام 2006 تقدم نائب الرئيس آنذاك والرئيس الحالي جوزيف بايدن بخطة لتقسيم العراق. ودعا بايدن لإنشاء دولة شيعية في الجنوب ودولة سنية في الوسط ودويلة كردية شمال البلاد، لتطبق الولايات المتحدة وفق مبدأ “فرق تسد” سيطرتها بالكامل على العراق وموارده. وعلى الرغم من إمكانياته الهائلة، سيبقى العراق بسبب التواجد الأميركي واستمرار الميليشيات المسلحة تبادل الأدوار السياسية تحت عباءة “الدولة العميقة” وأسلوب “حكومة الأكثرية البرلمانية” بلدا ضعيفا غير مستقر. أيضا، عرضة لمؤامرات خارجية وتدخل إقليمي “إيراني تركي” في شؤونه الداخلية، وسيكون خطر نشوب حرب بين المجموعات العرقية الأكثر رجعية أمر وارد جدا…