فيلم الخيال العلمي ( صعود جوبيتر \ Jupiter Ascending ) تأليف وإخراج الأخوين (واتشوسكي) صاحبا فيلم “ماتريكس” الشهير ، يحكي قصة فتاةٍ تُدعى ( جوبيتر ) تعمل في تنظيف البيوت والمراحيض ، وتعاني من سأمٍ وروتين يهيمنان على حياتها لدرجة أنها لا ترغب بمغادرة فراشها صباحاً ، ولكنها في ذات الوقت نسخة مطابقة من حيث الجينات لملكة متوفاة من سكان الفضاء الخارجي تحكم عدة كواكب ، ما يجعلها هدفاً لمخلوقاتٍ فضائية. الفيلم من بطولة (ميلا كونيس) و( تشانينج تيتوم ) الذي يؤدي دور كائنٍ هجين بين الأنسان والذئب يُدعى (كاين). ودون سابق إنذار يُدخلنا الأخوين (واتشوسكي) في مشاهد قتالية مبهرة مُفارقة من حيث المسار الحركي للشخصيات والكاميرا عما جاءت به المشاهد التي في بداية الفيلم ، وتصبح حياة الفتاة (جوبيتر) مسرحاً لأحداثٍ معقدة ومتسارعة حيث يتبين لها أن كوكب الأرض جزءٌ بسيط ٌ من حضارات كونية هائلة وأنهُ لا يعدو كونه مزرعة تم تنظيفها من الديناصورات قبل وضع البشر عليها والسماح لهم بالتكاثر ، وتكون الصدمة عندما تُطلعها الملكة كاليكي – والتي كانت شقيقتها في حياةٍ سابقة تجلها – على عالم ٍ يخلو من الاشتراكية خلافاً لتوقعات كارل ماركس. وأيضاً لم يكن عالم المستقبل كما توقع هيغل – والذي رأى بأن رحلة العقل البشري لاكتشاف ذاتهِ ستقودهُ حتماً إلى اللبرالية السامية – بل وتعملقت الرأسمالية ، ونشأت في ذلك النظام البشري الكوني امبريالية كونية تستهلك حياة الأبرياء في سبيل جني الثروة بشكلٍ علني ومشروع.. وكأن الكائن البشري ملَّ من وضع الألاعيب والحيل التشريعية والتعاقدية في سبيل تلك الغاية فباتت مُعلنة لدرجةٍ بات يمكن لشخصٍ ما أن يمتلك كواكباً بما عليها من حضارات وكائنات. إلا أن التنافس لم يعد على الموارد المحدودة فقد تطورت وسائل الانتاج وتعددت المصادر المتجددة للطاقة والتكنولوجيا الحديثة أتاحت للإنسان وللكائنات الأخرى العاقلة كلَّ شيء لكن الكون لم ينعم بالسلام ، ولم يتوقف الصراع الطبقي كما كان يتوقع كارل ماركس بل بات أكثر وحشية وملحمية ، ذلك أن أفراداً أثرياء جشعين قادرين على العيش آلاف السنين يريدون الخلود وباتوا ينشرون في سبيل ذلك الحياة الإنسانية على كواكب ككوكب الأرض ثم يبيدونها فيما يُعرف ب(الحصاد) ويستخرجون مصلاًَ من دماء البشر يطورونه إلى سائلٍ يؤمن لهم الصحة والشباب بحيث تُقتل أعدادٌ كبيرة من البشر كي يتم تحصيل كمية صغيرة من ذلك المصل.
ومن المشاهد الطريفة في الفيلم تلك المشاهد التي تُراجع خلالها بطلة الفيلم واسمها (جوبيتر) المؤسسات الرسمية لتثبِّتَ لقبها الملكي ، حيث نفى كاتبا الفيلم زوال البيروقراطية رغم كل التكنولوجيا المتاحة وكأن البيروقراطية جزء من الطبيعة البشرية لاتزول إلا بزوالها.
وقعت (جوبيتر) ضحية ً لمطامع من كانوا أولاد الملكة التي ورثتها كونها تشكل نسخة مطابقة لها من حيثُ (الجينات) فقد أراد الملك (تَيتس) والذي أدى دوره الممثل (دوغلاس بووث) الزواج منها كي يصبح وريثاً لها من ثم يقوم بقتلها. وما أن أفلتت منه بمساعدة (كاين) حتى اضطرت لتسليم نفسها إلى شقيقه الملك (باليم) والذي أدى دوره الممثل (ايدي ريدماين) فقد قام (باليم) باختطاف أفرادِ عائلتها والتهديد بقتلهم إن هي لم تتنازل عن كوكب الأرض لهُ ليقوم بحصادهِ. وهنا تنفست (جوبيتر) الصعداء وتمنت أن تعود إلى تنظيف المنازل والمراحيض ، فإن كنتم تظنون أن الحياة باتت قاسية وباهتة فانتظروا حتى تخوضوا هذه الرحلة إلى مستقبل البشرية. رفضت (جوبيتر) الخضوع لتهديدات (باليم) وحطمت سك التنازل وقالت: (أياً كان ما ستفعله بي وبعائلتي ، سأحرص على أن لا تكون قادراً على التسبب به لأيِّ أحدٍ آخر).
وقد رفع الأخوين (واتشوسكي) من حدود التوقعات بمدى الوحشية الذي يمكن أن يصل إليه إنسانُ المستقبل.. فقد أظهروا أثرياء الإنسان الكوني كمسيطرين على كل أشكال الحياة ، ورغم أن عُمر الواحد منهم عشرات آلاف السنين ، لم يتعلموا احترام القانون ونراهم منهمكين بالملذات وكأن كل الدهور والعصور التي عاشوها وكل الرحلات عبر الكواكب التي خاضوها لم تكن كافية لجبِّ شبقهم.. فهم مهتمون بالجمال الظاهري ، حيث نرى سُفناً فضائية هائلة مزينة بالتماثيل الذهبية. ولما تحتويهِ من قاعاتٍ وأروقة من فنون العمارة والتزيين ما للقصور الأرضية وأكثر.
وقد قالت الملكة (كاليكي) لجوبتير بعد أن خرجت من حوضٍ مليء بمصل تجديد الشباب..
– انظري نضارة وجهي وتحسسي بشرتي الناعمة.
لم يتحرر الإنسان من عبوديتهِ للذة الجسدية وكل ما تراكم من علومٍ سخرهُ لإبقائها في الذروة وصيانتها. والسؤال هنا هل يستطيع رجلٌ ما أن يزعم أنهُ يمارسُ الجِماع أفضل من حصانٍ او حمارٍ أو حتى ذكر الذباب؟! فلماذا يُصرُّ على جمع الثروة بأيِّ وسيلةٍ كي يُحصِّلَ مكانة ً اجتماعية ً تضمنُ له الحصول على أجمل النساء وأفضل الطعام؟! وهل تستحق عمليات التجميل تلك ، حصد الحياة الإنسانية من كواكب بأسرها؟!
وبينما تألق كلٌّ من الممثلان (ايدي ريدماين) و (دوغلاس بووث) ظهر أداء بطل الفيلم (تشانينج تيتوم) باهتاً ودون مستواه المعتاد ، ربما كونه لم يعتد بعد الانخراط في هذا النمط من الأفلام.