يعد فيلم الخيال العلمي Total Recall من تأليف كوكبة من الكتاب و إخراج ( لين وايزمان ) وبطولة الممثلة ( جيسيكا بل ) ، أهم أفلام الدستوبيا التي تناولت مُعاناة تشبه كثيراً مُعاناتنا كعرب مع القوى الاستعمارية الإمبريالية في الماضي ، وهو إعادة صنع للفيلم الذي ظهر عام 1990 م بذات العنوان.
تدور أحداث الفيلم في عام 2070 م حيث دمرت الحروب الكيميائية سطح الأرض ولم يعد هناك مكان صالح لأشكال الحياة سوى بريطانيا ومكان آخر يدعى المستعمرة وهي بلاد مكتظة بالناس من مختلف الأعراق بلا جيش ، تشبه الدول النامية ويتم الاتصال بينها وبين بريطانيا بمصاعد عملاقة تسمى ( مَصاعد الجاذبية ) تعبر الكوكب إلى الجهة الأخرى منه مستعينة بالجاذبية الأرضية مما يجعلها سريعة في النقل وزهيدة التكلفة.. وهي تنقل بشكل حصري أعداداً كبيرة من العمّال يومياً إلى مصانع الرأسماليين البريطانيين.
تشرع الحكومة البريطانية بتطوير الرجال الآليين ليحلوا محل اليد العاملة الوافدة وتعزم على غزو المستعمرة لنهب الثروات الباطنية بمجرد أن تمتلك العدد الكافي من الآلة المقاتلة والعاملة .
تعمل الحكومة البريطانية على تسهيل ما تسميه العمل الإرهابي داخل بريطانيا ، تضطلع به المقاومة الشعبية التي تناهض القمع السياسي والاقتصادي البريطاني للمُستعمرة . تهدف الحكومة البريطانية من وراء ذلك إلى الحصول على التأييد الشعبي في غزو تلك المنطقة .
تدور أحداث الفيلم حول شخص يدعى ( دوغ ) وقد أدى دور البطولة الممثل كولين فاريل وهو عامل في أحد المصانع تراودهُ أحلام مزعجة ويعيش روتيناً قاتلاً شأنه شأن معظم سكان المستعمرة فيقرر الذهاب إلى شركة ( ري كول ) التي تزرع ، مقابل بعض المال ، في عقول الكادحين البؤساء ذكريات جميلة تبعث في نفوسهم الراحة في خضم حياة العمل والشقاء والتي لايحتاج الإنسان إلى تذكّر شيء منها كونها روتين يكرر نفسهُ كل يوم.
شركة ( ري كول ) تمنحك أي ذكريات ترغب بها.. إنها أشبه بمخدرات ذهنية. ما أن تحقن الشركة ( دوغ ) بالمواد الكيميائية حتى يستعيد ذاكرته الحقيقية ويكتشف أنه ليس عاملاً من مواطني المستعمرة ، بل ضابط في الاستخبارات البريطانية وسرعان ما يكتشف أن زوجته ( لوري ) هي عميل أيضاً في الاستخبارات ومهمتها مراقبتهُ. ينشد البطل اكتمال ذاكرته ويهرب من المخابرات الذين يسعون لإلقاء القبض عليه ، ثم يكتشف أنه بمثابة جهاز تخزين بيانات سرية لصالح المستشار البريطاني. فيبحث عن قائد المقاومة الشعبية ( ماتايس ) كي يساعده على استرداد ذاكرته ويمنحه تلك البيانات.. ونذكر بعضاً من الحوار الذي دار بينهما:
ماتايس: أنت تقبع في الحاضر وليس في الماضي.
دوغ: لكن الماضي يخبرنا من نحن.
ماتايس: الماضي هو من بناء العقل ، إنه يعمينا ويخدعنا كي نؤمن بهِ.. ابحث عن نفسك في الحاضر وليس في الماضي ، القلب يريد العيش في الحاضر ، ابحث عن نفسك هناك وستجد مُبتغاك.
سرعان ما يداهم المستشار وأعوانه المَقر ويقتلون ماتايس ويحصلون على كافة المعلومات الكفيلة بتدمير المقاومة. ويكتشف دوغ أن مسألة البيانات كانت خدعة حيث تنطلق إشارة من فيروس الكتروني كان مزروعاً في دماغه ، فدوغ أشبه بحصان طروادة وقد ساهم بنفسه ، قبل أن تُمحى ذاكرته في وضع هذه الخطة لإلقاء القبض على ماتايس.
يصاب دوغ بالصدمة عندما يكتشف أنه في ماضيه الذي جازف بكل شيء لاستعادته لم يكن سوى ضابط بريطاني يقتل بلا رحمة ويقترف المجازر والحماقات باسم حبهِ للوطن ، ويرفض إعادة ذاكرته إليه لأنه لم يعد يرغب بعد أن عاش مع أهالي المستعمرة بأن يعود ذلك الشيفوني المجرم.
في الختام يتم تدمير المصاعد العملاقة والتي ترمز ربما إلى الرابطة بين الدول النامية وما يُسمى بالدول المتقدمة ( إنه في ظاهرهِ مِصعد لكنهُ في حقيقته مِهبط ) ويجب عدم إنشاء روابط هائلة بين تلك الفئتين من الدول إلى حين تصبح ما تسمى بـ( الدول المتقدمة ) متقدمة حقاً على جشعها ومتجاوزة لمطامعها باتجاه تكريس إنسانيتها بشكل حقيقي ومُتكامل.
جسَّدَ الفيلم عملاً فنياً متكاملاً تضافرت فيه الفنون السمعية والبصرية لخدمة رسالته وإيقاعه الدرامي والذي اتصف بالوتيرة المتسارعة والمتصاعدة ، وجعلت كثرة الأحداث فيه بالإضافة إلى عمقه الفكري.. جعلت منه فيلماً شيقاً وناجحاً بكافة المقاييس.