العراقيون والعرب والمسلمون ومحكمة العدل الدولية
زكي رضا
ردّا على الهجوم الفلسطيني على إسرائيل في السابع من تشرين الأوّل / أكتوبر من العام الماضي، بدأت المجازر الإسرائيلية تتصاعد بشكل مستمر ولليوم، حتّى بلغ عدد الضحايا جرّاء إستخدام إسرائيل للقسوة المفرطة الى ما يقارب الأربعين الف ضحية وعدد اكبر من الجرحى والمعاقين، ودمار ممنهج وشامل لقطاع غزّة، وإستمرار سياسة التجويع بحق الشعب الفلسطيني.
لقد دفع إستمرار الهجوم وقتل الفلسطينيين من قبل إسرائيل المتسلّحة بدعم عسكري وإعلامي أمريكي وغربي غير محدود، وسقوط عشرات آلاف الضحايا وجلّهم من النساء والأطفال وكبار السن، الى خروج تظاهرات حاشدة في مختلف العواصم الغربية كوسيلة ضغط على حكوماتهم من أجل الضغط على حكومة نتانياهو لوقف القتال والأنسحاب من غزّة. ومع إستمرار إسرائيل بعنجهيتها وجرائمها، تحرّك طلبة جامعات أمريكية وغربية متضامنين مع الشعب الفلسطيني ومطالبين بوقف الحرب محملّين الحكومة الإسرائيلية بإستمرارها، ومنددين بالوقت نفسه بمواقف حكومتهم المؤيدة لإسرائيل والرافضة هي الأخرى وعلى خطى أسرائيل وأمريكا لوقف القتال الا بشروط إسرائيلية!!
بعد وقوف العالم على مدى وحشية إسرائيل وجرائمها، ونتيجة لضغط الرأي العام في مختلف بلدان العالم وإستمرار تجاهل مطالبها من قبل العواصم الغربية، إنحازت بعض الدول الى الجانب الفلسطيني وقامت بقطع علاقتها الدبلوماسية مع أسرائيل كبوليفيا والأكوادور. كما نجح الحراك الطلّابي الأممي المدافع عن السلام في أسبانيا بالضغط على 50 جامعة حكومية و 26 جامعة خاصّة ، ما دفع إدارات تلك الجامعات الى ” قطع علاقات التعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية وربطت عودة التعاون بتنديد الجامعات الإسرائيلية باجتياح الجيشالإسرائيلي لقطاع غزّة”، وهذا الأمر تكرر في بعض الجامعات الأمريكية والبريطانية والإيرلندية وغيرها، ما يعكس ضغط الحراك الطلابي على إسرائيل والحكومات الداعمة له.
لم تكتفي بلدان العالم وشعوبها التوّاقة للسلام بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ولا بالتظاهرات والإعتصامات والإضرابات تضامنا مع الشعب الفلسطيني ضد آلة القتل الإسرائيلية الأمريكية الغربية، بل خطت بعضها بخطوة غير مسبوقة لمحاكمة القتلة في تل أبيب. فعلى خلفية إستمرار القتل الممنهج في غزّة تقدمت حكومة جنوب إفريقيا بعد شهرين على بدأ القتال طلبا الى محكمة العدل الدولية، متهمة فيها إسرائيل بأرتكاب أعمال إبادة جماعية في غزّة بسبب قتلها الآلاف وتهجير مئات الالاف من دورهم وتدميرها للمستشفيات والبنى التحتية فيها. وقد إنضمّت بعدها دول أخرى اليها في دعواها امام المحكمة منها اسبانيا وايرلندا وغيرهما، أمّا عربيا وإسلاميا فلم تنظم منها أية دولة الا ليبيا!!
من أجل التضامن مع الشعب الفلسطيني تحركت مجاميع عراقية إسلامية مسلّحة خلال الأيّام الماضية لمهاجمة المصالح الأمريكية بالبلاد!!! فشمرّت عن سواعدها بمهاجمة مطاعم ومعاهد تعليم لغات غربية الجنسية لتبثّ الرعب والخوف بين صفوف المواطنين، ولتذّكرنا دوما من أنّها فوق القانون والدولة وكأنّ التضامن مع الشعب الفلسطيني لا يمرّ الّا من بوابّة هذه المطاعم والمعاهد. علما من أنّ أعداد التظاهرات والأعتصامات ومنها الطلابية في البلدان العربية والإسلامية ومنها العراق، لم تكن بسعة وقوة وتأثير مثيلاتها في العالم وخصوصا في العالم الغربي، وهذا ما يدفع المتابع للشأن السياسي للبحث عن أسباب هذه الحالة ومن وراءها.
الشعب الفلسطيني بحاجة الى وقفة وتضامن مع قضيته العادلة كما وقفة وتضامن الدول التي تقدّمت بطلب من محكمة العدل الدولية بأعتبار حكومة اسرائيل تنتهك القانون الدولي، وتقترف جرائم ضد الأنسانية في قطاع غزّة بما فيها تجويع السكان. وقد كان للضغط الشعبي والحراك الطلابي دورا في توجيه المحكمة الجنائية الدولية تهم “التسبب في الإبادة، والتسبب في المجاعة كوسيلة من وسائل الحرب، بما في ذلك منع إمدادات الإغاثة الإنسانية، واستهداف المدنيين عمدا في الصراع”.
لو تركنا مواقف بعض الدول العربية ومنها خليجية وبقية دول العالم الإسلامي من حرب الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزّة، نتيجة تطبيعها للعلاقات مع إسرائيل ودورانها في الفلك الأمريكي الغربي ما جعلتهم أن لا ينظموا الى جنوب إفريقيا وبقية الدول التي قدّمت طلبا للمحكمة متهمّة فيه اسرائيل بإرتكاب جريمة إبادة جماعية، فعلينا التساؤل عن أسباب عدم أنظمام إيران والعراق لهم، ولماذا تخرج مجاميع الأسلاميين رافعة شعار ” تحرير فلسطين يمرّ عبر مطاعم شارع فلسطين”!؟
على القوى السياسية التي تتاجر بالقضية الفلسطينية وتذرف دموع التماسيح على ضحايا غزّة، أن تضغط على حكومة بغداد كي تنظم الى بقية الدول في دعواها بإعتبار أسرائيل مسؤولة عن عمليات إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية ، لا أن تكتفي بالصلاة والدعاء ومهاجمة مطاعم ومعاهد لغة..
أيها السادة الإسلاميين بالعراق صدّقوني من أن مطاعم كنتاكي وبرغر كنغ ومكدونالد وغيرها من المطاعم والمقاهي الأمريكية والأوربية، موجودة في الأكوادور وبوليفيا وجنوب إفريقيا وغيرها من البلدان.الا أنّ شعوب وحكومات هذه البلدان منحت الحرية لشعوبها في مقاطعة هذه المطاعم من عدمها، كما وأنها وعوضا عن مهاجمتها قامت بمهاجمة أسرائيل بفضحها دوليا عن طريق المحاكم الدولية، فهل ستتعلمون من هذه الدول طريقة التضامن مع الشعب الفلسطيني، أم ستبقى القضية الفلسطينية عندكم تجارة كما كانت تجارة عند البعثيين والقوميين العرب..؟