الأموات لا بعودون ولايحاسبون ..والجنة والنار.. رمزيات..دين في وطن؟ ..
د.عبد الجبار العبيدي
اهدموا الأسيجة التي بناها الفقهاء باسم المقدس دون حجج وبراهين ، المنسوبة لصاحب الكتاب المنزل ..وتحدوا نظريات العمامة الخائبة في تقدير مقادير الزمن..فلا تصدقوا حاكما اراد من السياسة مكسباً وطنيا للأخرين ، وهو يعضكم بالدين ..فهم والله لا يعتقدون في جنة ولا نار، ولا حساب ولا حسيب ..ولا مهدي منتظر ، ولا خضر يحضر،ولا مسيح يقين ..بل همهم قتل العقل لاماتة القانون الذي به تفرض على الناس الاستقامة وحكم العدل والقانون ..ومن حكم العدل وصل..هكذا قالها حمورابي صاحب القانون الأزل ..وهكذا قالها الامام موسى بن جعفر الصادق لهارون الرشيد ..ومن كتب الماكنا كارتا البريطنية الخالدة الأول ..وقالها جفرسن كاتب الدستور والقانون الامريكي ..وغيرهم ..كثير..أما نحن فالى الوراء در.
أخترع الفقهاء المسلمون كذبة التاريخ حينما فسروا فلسفة الحياة والموت في العصر العباسي في النص المقدس وحولوه الى حقيقة اعتقادية عند المسلمين ورغبوا وأخافوا الناس بالجنة والنارلينعموا بالعيش الاخروي الرغيد ،وعالم أخرللاشرار يعاقبون فيه على نارٍ وقودها الناس والحجارة وما هي الااساطير سومرية من ارض دلمون ،وما عقيدة الموت والحياة سوى تصورات دينية فرعونية حولوها الى موازين للعدل الديني في الكون ،وفي المسيحية كانت الابدية ..وكلمة جنة كان يرمز اليها بكلمة (يارو)،والنار بكلمة (سج) .
وفي العصر العباسي الأول “132-232 للهجرة” خلدوا سلطة الخليفة المنصور العباسي الذي قال: “انما اناسلطان الله في ارضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده أطيعوني ما اطعتم الله”ليصبح الخليفة الحاكم الباقي بامر الله ..حتى ترسخت خلافته في الاذهان لتصبح عقيدة حينما حولها البويهيون والسلاجقة “334-447 للهجرة” الى قوانين فآماتوا فلسفة الدين …ثم اضافوا للآية الكريمة “اطيعوا الله والرسول..آلوا الأمر منكم” وكلمة آلوا ليست من ولي بل عامة الناس وضعوها في المقدس ونادوا :” ان الاموات سوف يحاسبون غداً ان لم يطيعوا ولي الأمر الحاكم بأمر الله” ..تحذيرا للعامة من السكوت على الخطأ واللاقانون لتصبح الدولة والسلطة ملكاً لهم دون قانون..وضافوا اليها الجنة ومغرياتها من الرفاهية والجنس وتدمير حقوق المرأة ،والنار وما فيها من عذابات السعير..وما هما الا رموزا لا حقيقة لتخدير الانسان في العقيدة..فأنشأوا لنا عقيدة أتكالية الدعاء والوهم ،حين ربطوا الحقوق والواجبات بأمر ولي الأمر..حتى أصبحنا بمرور الزمن خارج التاريخ ولا زلنا..نعتقد بولي الفقيه والمهدي المنتظر ليملأ الأرض عدلا ولا ندري اصحابه اليوم هم الحاكمون ولماذا لا يعدلون…
ونحن نسأل هل عاد واحد من الاموات منذ ملايين السنين لنراه بأعيننا في حياة الأدميين حياً في وطن “الحجة بالدليل كما قالها علي(ع) أمير المؤمنين “..وهل شاهدنا ميتا يحاسب ويعذب في القبور والغيب لا يعلمه الا رب العالمين..(لوكنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير وما مسني السوء،الأعراف188) …كم هو التحدي منه ومن الفقهاء على الله والدين والناس معاً.من هنا بدأت نكبة العرب والمسلمين حين حرفت مبادىء الدين القويم صاحب الوصايا العشر (151-153 سورة الانعام) الى تخريف.وكل من آمن بهم من المغفلين ..دون اعتراض من الاخرين لورودها بنص مقدس مكين كما يدعون باطلاً دون برهان حي او دليل…
الادبيات الاسلامية منذ البداية طرحت الاسلام عقيدة وسلوكا دون ان تدخل في العمق الفلسفي للعقيدة الاسلامية عندما أستبعدت التأويل العلمي واحلت محله التفسيرالفقهي الناقص المترادف لغةً وتثبيتاً في المعنى .. من غير المؤهلين له ممن سموا أنفسهم بالفقهاء الدينيين .. الذين جاءؤا بعصرٍ لم تكن فيه التسميات الحسية قد استكملت بعد تركيزها في تجريدات لغوية ثابتة فأحلوا المترادفات اللغوية على انها ذات معنى واحد..لتهذيب النفوس الدنيوية وليست للتهديد والوعيد بنار حامية يتلاقها الميت في البعيد..واخافوه بعذابات القبر الكاذب الرجيم .ونحن نسأل من منهم دخل القبر وشاهد التعذيب..؟
نحن نقول ان هذه المسلمات بحاجة الى اعادة نظر وفق القانون ، لانها عبارات فارغة من محتواها الواقعي ولم تصل الى حل المعضلات الاساسية للفكر الاسلامي التقليدي الذي أوقعنا بنظريات الخطأ والوهم ..مثل القضاء والقدر، والحق والعدل ، وتفسير التاريخ دون معرفة فلسفة النص في التآويل ..لذا لم ينتج عن هذا المعتقد فكرا اسلاميا معاصرا يحل مقومات المعاصرة الحديثة شكلا ومضمونا ..فظل الفكر الاسلامي يعاني من اشكاليات تاويل النص لغير صالح الانسان المسلم حتى ادخلوه في الجهالات ..ولا زلنا نعاني التخلف واستغلال الدين تساندهم حكومات السلطة المنتفعة من تجميد العقل ..دون الأخرين..
واليوم تظهر لنا موضة جديدة وهي الأدعية والمزارات والصلوات على النبي في الخالي والبطال ، ودعاء يوم الجمعة وما فيه من تخريفات حتى اقعدت الناس عن الهمة والتفكير حين أدخلوها في اليانصيبات والفزورات ومهازل المتقولين “من المرتدين “، ونسوا ان الصلاة في القلوب وليست في مظهرية المتقولين من الخونة والمارقين.الذي أستساغوا أكل الحقوق والتعامل مع الاخرالأجنبي اللامعتقد بدين ضد الشعوب وقتل المناضلين من العلماء والمفكرين اصحاب الحقوق..ونقل اموال الوطن ووظائفه باسماء أبنائهم والمقربين من اجل التخريب ..لاما هكذا يستحق الرسول ودينه القويم .. التشويه وما جاءت هذه الهجمة المتخلفة الا كرد فعل لحركة نقد الاديان التي عرت المتدينيين من خرافاتهم الذين يغرون الناس بالمال وسلطة القتلة والمجرمين.
الدولة الاسلامية منذ بدايتها عام 11 للهجرة وحتى سقوطها عام656 للهجرة .لم تعرف القانون وسلطة التشريع ومن يخالفها يعتبر مرتدا على الدين مصيره السيف ولاغير..بل اعتمدت سلطة القبيلة والقوة بلا قانون..والفتوحات الباطلة ضد البلدان الاخرى بحجة نشر الدين بالقوة والقرآن يقول “لكم دينكم ولي دين” حتى ظلت الشعوب تكره العرب والاسلام كراهية التحريم ، وتقف شعوب بلاد ماوراء النهروالسند وايران في المقدمة ، لذا سقطت تلقائيا ولم تنفعها ابدا ،الاحاديث المزورة والاقوال الموضوعة لأنها ظلت بلا قانون يحمي الحق للمواطنين..وهكذا سيسقط كل من يستبعد الحق والعدل والقانون.
بمجيء البويهيين عام 334 للهجرة ومن بعدهم السلجووقيين عام 447 للهجرة ..دخل الاسلام في معترك الوهم التام حين تحولت العقيدة الى مذاهب متناحرة من الفقهاء المتقولين. ومن خلال هذه المستويات ظهر لنا منهج الازدواجية بين السياسة والدين ، وبين السلطان والفقيه ، متمثلا في التعارض والتقارب بين الاثنين كما نرى عند الكليني 329 للهجرة ” في المذاهب في كتابه الكافي المنتحل للأحاديث،وعند الماوردي 450 للهجرة صاحب المذهب المشجع على الاستبداد المتمثل بأهل ( الحل والعقد) اذ لا يجوز لغير اتباعة من استلام السلطة دون رأي العامة.وما جر ذلك من انقسام المسلمين حتى أفرغ الدين من محتواه ونقله الى تخريف..وحين الاعتراض قالوا:”وما تشاؤون الا ان يشاء الله” وكأنهم خلفائه دون الناس في الحقوق.
وتوالت نظريات الاختلاف وشق الصفوف بين المسلمين علناً عند الشيخ المفيد431 للهجرة والشيخ الطوسي (460 للهجرة) من جهة..وبين الغزالي( 505 للهجرة ) وابن تيمية من جهة اخرى..في شرعية الحكم حين ركز المفيد والطوسي على الفكر الامامي الاثنا عشري بينما يركز الفكر الاخر على الضرورات تبيح المحظورات ولا يجوز فصل الدين عن الدولة لانه يعني الفوضى..وهنا ظهر التحدي بين الرأيين الفقهيين تحديا علميا وفكريا للمذاهب المخترعة منهما ، والمقالة والمدرسة التي يجب اتباعها..فضاع المسلم بين الاراء وتمزقت الوحدة الاسلامية واصبح الوفاق بين العقيدتين اساسيا ساق مجتمع المذاهب الباطلة الى ظهور تيارات الارجاء، والحكم العضوض وما تشاؤون الا ان يشاء الله حكما مبهما دون سند شرعي في التطبيق ، حتى اصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي.فأستبد الضعف في المسلمين واصبحوا لايتمتعون بثقة المذهب المخترع منهم والدين معاً..فكانت النهاية كما نراها اليوم .
فكيف نستطيع استعادة العلاقة بين السياسة والدين شرعا وتطبيقاً..وهو يحمل الكثير من التعقيدات الفكرية والفقهية والسياسية التي اصبحت عقيدة عند الأكثرية من المسلمين تساندها سلطة المال والقوة ضد غالبية المسلمين ..لا يمكننا توضيح الصورة المبهمة والمظلمة بين الرأيين الا بتقديم منهج تاريخي علمي حديث لدراسة انماط العلاقة كما في التجربة الصفوية والتجربة العثمانية المتضادة فيما بينهما حين ثبتوا الدين بعقيدتين لا تلتقيان في المبادىء وقيم الدين أبداً..هذه التجارب التي وضعت سدا عاليا وقويا بين الفكر العلمي ،والرأي الفقهي الناقص في التطبيق .
لا نريد ان نوجه سهام الاتهامات المقصودة لأحد لكننا نقول وبكل تأكيد ان الحوزات الفقهية والازهروالزيتونة وفقهاء السلطة ومرجعيات الدين والمنهج الدراسي ..كلهم ساهموا بنكبة العرب الدينية حين حولوا المنهج الصحيح الى مناهج التخريف..ويقف التفسير القرآني القديم والاقلام التي تلهج به ليل نهار خلف هؤلاء هي التي حولتنا الى كارثة التخلف الحديث.سنكتب آية واحدة أقرأها ايها القارىء ستجد قصدهم في التحريف من اجل السلطة لا الدين.
يؤمن المسلمون ان الدين عند الله هو الاسلام..ولم تتعدد سوى الشرائع عبر الازمان .اذن لماذا الاختلاف بين الاديان وفي الدين الواحد دون بيان..الم يكن ذلك مقصودا من السلطة والتابعين لها من الكهان.يقول الحق: وشرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا أليك وما وصينا به أبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتنى اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب،الشورى 13.
كفاية تغليف بالباطل الفقهي المقيت..نحن بحاجة الى نشاط الاذهان من عقالها،وبداية التفكير في شئون الكون والانسان على اساس من الفكرغير المقيد،والعقل المتعطش الى المعرفة ايضا ،على اساس من البحث العلمي لتفسير النص الذي هو اصل كل كشف صحيح .والابتعاد عما دعا الية فقهاؤنا دون تمييز من ان دراسة النص يجب ان لا تخرج عن نطاق علوم الدين من قرآن وتفسير وحديث وفقه ولغة ، وما الى ذلك ،ظناً منهم ان الانصراف الى دراسة ما سوى ذلك هو مضيعة للوقت وصرف الانسان عن عبادة الله..كل هذه الامور هي التي ادت الى الاستبداد السياسي حين وظف رجل الدين في خدمة السلطة فغاب النقد الحقيقي لواقع التغيير.
ان كل ما يطبع من مدارس الدين من التفسير وعلوم الفقه ومدارس الدين اليوم ومرجعياته الجالسة على الحصير … هو سبب نكبة المسلمين.
هنا العلة في تخلفنا الحضاري عن الأخرين.