جاءت نتائج الانتخابات البولونية للسيم Sjem/ البرلمان, والسينات Senat / مجلس الشيوخ التي أجريت في أكتوبر من العام الماضي, بما لا تشتهي سفن اليمين القومي البولوني وخسارة أبرز أحزابه (القانون والعدالة – PiS ) الوثيق الصلة بالكنيسة الكاثوليكية أمام تحالف ليبرالي ( Platforma Obywatelska – المنبر المدني, Inicjatyiwa Polska – المبادرة من أجل بولونيا ( يسار الوسط ), Zielonych الخضر )… ولا زالت تداعياتها متواصلة وتثير جدلاً, رغم انقضاء فترة على الانتخابات وتشكيل الحكومة بحلتها الجديدة برئيس الوزراء الليبرالي دونالد توسك Donald Tusk الذي تعرض لحملة تشويه قبل الانتخابات وخلالها وبعدها من قبل أحزاب اليمين ووسائل الإعلام من تلفزيون وصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ومنابر الكنيسة الكاثوليكية التي أغدقت عليها حكومة اليمين بالامتيازات والسلطات الواسعة في التحكم بالبرامج المدرسية وتنظيم الاحتفالات الدينية في مؤسسات الدولة والجيش كذلك.
لقد دأبت حكومات اليمين منذ استلامها للسلطة عام 2005 إلى تبني خطة من واقع توجهاتها الدينية لرفع العوائق امام الانجاب الواسع وتشديد العقاب على حرية قرار المرأة في الإنجاب بموجب ظروفها الشخصية وفرض الإجهاض, حتى لو امرأة حملت نتيجة اغتصاب.
لكسب الشرائح الاجتماعية المحرومة من المواطنين أقرّت مساعدات مالية مغرية للأزواج لزيادة الإنجاب وحسب عدد الولادات, ورفع رواتب التقاعد لكبار السن, الذين هم, على الأغلب, متأثرين بالخطاب الكنسي.
ولا تخفى لهجة عداء أحزاب اليمين بكافة الوانها تجاه الاتحاد الأوروبي والتي اعتبرت انتماء بولونيا إليه انتقاصاً للسيادة بقوانينها وأنظمتها الجامعة وتقويضاً للعقيدة الكاثوليكية وقيمها, قبل تسلمها للسلطة.
وقد تصاعدت الخلافات بينهما بعد استلامها الحكم , بعد سلسلة إجراءات السيطرة على وسائل الإعلام وعمليات التطهير فيها, والتي شملت الجهاز القضائي بمستوياته المختلفة بتعيين قضاة موالين. مما دعا الاتحاد الأوروبي الى فرض عقوبات على الحكومة البولونية.
كما دأبت أحزاب اليمين وحكوماته على دغدغة المشاعر القومية وبعث الأحقاد التاريخية بخطاب معادي للروس, لاسيما بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية, وللالمان حد المطالبة بتعويضات حرب رغم أن ترتيبات ما بعد الحرب بين القوى المنتصرة على النازية قد حسمتها.
ولابد من التذكير من الموقف المتشدد من اللاجئين, بمنع مرورهم وبناء جدار معدني عازل وتسيير دوريات مسلحة على طول الحدود مع بيلاروسيا, رغم انهم لا يريدون البقاء في بولونيا بل المرور من خلالها إلى دول الرفاه الأوروبي.
وكان قد أكد أحد المروجين للتوجهات اليمينية أن : ” للمهاجرين لدينا قاعات جاهزة لايوائهم في ( Auschwitz, Majdanek & Treblinka ) ” أوشفيتز – قالها بالألمانية واسمها بالبولونية Oświęcim. علقت محررة في صحيفة نيه اليسارية البولونية : ” يبدو ان هذا التصريح بمثابة اعتراف أن معسكرات الاعتقال هذه بولونية !”.
وللتوضيح فقد كانت هناك انتقادات حادة من قبل البولون لصحف أوروبية أشارت إلى ” معسكرات اعتقال بولونية ” مما أثار حفيظة الأوساط الشعبية والرسمية لهذه التسمية واعتبرتها افتراءاً وان هذا التعبير غير دقيق, وإنما هي ” معسكرات اعتقال المانية نازية في بولونيا “.
وفي عودة لموضوع اللاجئين فإن التعامل التفضيلي للاجئين الأوكرانيين يستند إضافة إلى الموقف الجماعي لحلف الناتو الذي تنتمي إليه بولونيا واندفاعها في مساعدة الجيش الأوكراني, الذي يستند إلى العداء التاريخي لروسيا. ولكون بولونيا كانت القوة الأضعف بين الإمبراطوريتين الروسية والبروسية ثم الالمانية على مر التاريخ, لذا فإنها كانت ضحية لحروبهما سواءاً بتقسيمها فيما بينهما أو بخوض الحروب على أراضيها.
السلوكية الاحتفائية بالمهاجرين الأوكرانيين بدأت تتراجع بعد امتعاض المواطنين البولونيين من الامتيازات والمنافع والمساعدات السخية التي حصلوا عليها على حسابهم. وكان توريد القمح الأوكراني الرخيص إلى الاسواق البولونية قد أثار حفيظة المزارعين البولون مما حدا بهم لتنظيم وقفات احتجاجية على الحدود لمنع بيعه في الاسواق البولونية.
كل هذه المؤشرات والسلوكيات لحكومات أحزاب اليمين دفعت الكثير من المواطنين لاعادة النظر في مواقفهم, لاسيما بعد أن تم الكشف بأن حكومات اليمين قد كبلت الميزانية بقروض كبيرة لتغطية برامجها في المساعدات الاقتصادية لأغراض الكسب الحزبي.
وكأن اليمين كان ناقصاً , لتندلع فضيحة جديدة, ما بعد انتخابية, لتزيد الطين بلّة, تتعلق بسمعة وأهلية أهم ممثليها الباقين على رأس السلطة وهو رئيس الدولة أنجي دودا –Andrzej Duda , حيث التجأ نائبين برلمانيين سابقين من حزب PiS القانون والعدالة اليميني, سبق وان حكموا بقضايا فساد, و استفادا من عفو رئاسي, إلى القصر الرئاسي, مما استدعى اقتحام الشرطة للقصر والقبض عليهما.
تشيع في أوساط اليمين والسلطات الكنسية مخاوف من إجراءات الحكومة الليبرالية الجديدة ذات التوجهات الأوروبية بالتراجع عن التشريعات والقوانين التي أقرتها سابقاً.
هل ينجح الليبراليون في جعل بولونيا, دولة أوروبية بحق وحقيق ؟