تَرْويقَة: “المنفى”* لمارغريتا ميشيلينا
ت: من الإسبانية أكد الجبوري
اختيار وإعداد إشبيليا الجبوري
I
لا أغني
كي أترك سجلاً لإقامتي،
ولا ليسمعني من يموتون معي،
ولا لأعيش بعد أن أموت في الكلمات.
أغني لأهرب من وجهي في الظلام
لأتذكر جدران بيتي،
لأنني عندما دخلتُ عينيّ أصبحتُ أعمى
وأتلمس طريقي، عندما أغني، أدرك
العتبة اللانهائية لمسكني.
II
عندما فصلتني عنك، عندما أعطيتني
أرض جسدي وأخذتني
من بستان يديك،
كانت الكلمات رهينةً لك.
مرايا مرتجفة حيثُ أحيانًا
أُفاجئ إشاراتك.
ليس لديّ سوى كلماتك، ليس لديّ سوى
صوتي الخائن لأبحث عنك.
لقد وهبتني مملكةً مظلمةً من الألغاز،
وملاكًا يجرحني حين أنساك وأصمت،
وهو لسانٌ حزين وكأسٌ مختوم.
هذا شعر.
ليس هبةً من موسيقى هادئة،
ولا نعمةٌ ضاحكة.
بالكاد وسيلةٌ للتذكر،
بالكاد – بين الإنسان وشاطئك –
إشارةٌ، جسر.
أعبرها بخطواتي،
بوقتي وموتي،
حاملًة في يديَّ الموعودة بالتراب،
ما يفصلني عنك،
ويحولني إلى آخر،
هو حدودي المنيعة،
خيطٌ غامض،
سلمٌ سري،
مفتاحٌ يفتح أحيانًا أبواب الظلال،
طرفٌ بعيدٌ من حجابٍ متلألئ.
هذا ما أملكه ولا أكثر.
سبيلٌ للإبحار للحظاتٍ من جسدي،
من الحد والاسم الذي منحتني إياه،
من الوجود والزمان اللذين حبستني فيهما.
أردتَ أن تترك لي رحلةً خرقاء،
جذرَ جناحيّ السابقين،
وهذه المرآةَ الغائمة،
بالكاد مسرحًا للذكرى التي انتزعتها مني.
وها أنا،
الذي لم أكن معك سوى قطرةٍ رنانةٍ من موسيقاك المحيطية،
أبكي تحتَ صورة اسمي،
في هذه الوحدة التي أكون فيها أنا،
في عالمي؛ ضيفًا حنينًا
بين دمي الذي نسيته تجاه لغته،
لكنه لا ينسى أنه ورقةٌ منفصلةٌ عن باقته السماوية.
III
لكنني أمشي نحو العودة.
لكنني أمشي نحو الصمت.
لكنني أمشي نحو وجهك،
هناك حيث لم تعد الموسيقى زمنًا،
هناك حيث الأصوات كلها صوتك.
لا يزال طريقي مصنوعًا من الكلمات.
ما زلتَ لا تُذيبني من موسيقاك،
ما زلتَ لا تُربكني، وتُنقذني.
لكنك ستُخرجني من جثمان خطواتي الفارغة،
وأنفاسك ستهدم الجدار،
وتُطفئ الشعلة المتوهجة
حيث سعى بها صوتي إليك.
ستستعيد السيف الذي وضعه ملاك في جنبي،
وهذا الختم الرنان الذي على جبهتي،
وإذ به أشار لي بمصير الحنين.
وسأظل صامتًة.
سأعيد هذه المملكة إلى كلمات هشة.
لماذا أغني إذن،
إذا كنت قد تذكرت،
إذا كانت هذه الوردة الغامضة ستتفتح حينها؟
*- مارغريتا ميشيلينا / من “المنفى”()
مارغريتا ميشيلينا (1917-1998)، شاعرة وكاتبة ومترجمة وناقدة أدبية وصحفية المكسيكية. تُعتبر من أروع الأصوات الشعرية وأكثرها ثقافةً وأفضل كاتبة في القرن العشرين. أسست صحيفة “الأيام” وترأس تحريريها()، وتعاونت مع العديد من الصحف والمنشورات الوطنية والدولية ووكالات الإعلان والمعهد المكسيكي للإذاعة ، وغيرها.
من أبرز أعمالها: الجنة والحنين (1945)()٬ غار الملاك (1948)() ٬ ثلاث قصائد وملاحظة سيرة ذاتية (1953)()٬ حزن أرضي (1954)()٬ ملاحظات على الشعر المكسيكي المعاصر (نقد؛ 1959)()٬ مختارات شعرية (1969)()٬ البلاد وراء الضباب (1969)() غير أنها كما ذكرت أليسيا زينديخاس (1928-2016)() ، وهي كاتبة مكسيكية وناقدة أدبية وكاتبة مقالات وشاعرة ومديرة ثقافية، في أحد برامجها أن “مارغريتا ميشيلينا لا تحظى بالإعجاب لأنها غير معروفة”.()
– توفيت في مدينة مكسيكو، المكسيك في 27 مارس 1998.()