القلق الذي يهدد السلام العالمي حقًا؟
شعوب الجبوري
ت: من الألمانية أكد الجبوري
– وصف الملخص التجريدي:
ما يُخاض اليوم في الشرق الأوسط ليس مجرد حرب إقليمية، بل معركة رمزية وقانونية وأخلاقية.
– سؤال المقال العلمي والتعليمي:
– ما محاربة الأرهاب؟ وهل القلق من الإرهاب يمثل التهديد الحقيقي للسلام والأمن الدوليين؟ كيف؟
– ولكن٬ مَن/أو/ما هو التهديد الحقيقي للسلام العالمي؟
التاريخ لا يُعيد نفسه صدفةً أو جبريةً: بل يُعيد نفسه لأن هناك من يكتبه ويتلاعب به ويفرضه. عندما تتحكم القوة في الرواية، تفقد الحقيقة قيمتها الديمقراطية وتصبح أداةً للحرب. يُستدعى المنع بينما يُرتكب العدوان؛ ويُسمى الدفاع إبادة؛ ويُستدعى السلام بينما تُمطر القنابل. وكثيرون يُصدقون هذه الرواية، مُغلفين بأعلام وعناوين مُختلقة وصمت مُتواطئ استراتيجيًا.
اليوم، تُوجه الصواريخ إلى إيران. بالأمس، كانت غزة. وقبل ذلك، لبنان وسوريا واليمن – أحيانًا بشكل مباشر، وأحيانًا عبر أطراف ثالثة. غدًا، قد تحل أي دولة أو منطقة تتحدى هيمنة إسرائيل أو حلفائها محل الهدف المُحدد. في هذه الأثناء، لا يزال قطاع غزة عالقًا في كارثة إنسانية غير مسبوقة: بلا كهرباء، بلا ماء، بلا مستقبل. وبينما تحلق القذائف في السماء، تغض عواصم ما يُسمى “العالم الحر” – واشنطن، وبروكسل، ولندن – الطرف. توقيع عقد أسلحة جديد بملايين الدولارات لا يحتمل أي تشتيت.
إفلات إسرائيل من العقاب ليس خطأً دبلوماسيًا، بل هو امتياز هيكلي، نتيجة آلية جيوسياسية تُطبّع العنف إذا كان يخدم مصالح استراتيجية معينة. في هذا الإطار، لا تبقى الإبادة الجماعية جريمة بعيدة، بل مسؤولية مشتركة، يغذيها نفاق من يزعمون أنهم مدافعون عن حقوق الإنسان بينما يتصرفون كمروّجين للإرهاب.
إسرائيل لا تعمل بمفردها. قدرتها على شن الحرب، وتشكيل الرواية، ونزع الصفة الإنسانية عن العدو، مدعومة بشبكة من التحالفات تضمن الدعم الدبلوماسي، والتغطية الإعلامية، والتفوق في الأسلحة. كل عدوان يُؤطره نص يُكرر حتى الغثيان: الدفاع عن النفس. وهذه الرواية، التي ترسخت كعقيدة راسخة، تعمل كدرع أخلاقي في وجه رأي عام جاهل أو مُنهك. وهكذا، يختفي الضحايا مرتين: أولاً تحت الأنقاض، ثم من الصفحات الأولى.
كما حذّر والتر بنيامين، يكتب المنتصرون التاريخ، وأنقاضه، أنقاض المهزومين، لا تترك مجالاً يُذكر لأصوات أخرى. في حالة الصراع بين إسرائيل وإيران، لا نواجه مجرد تصعيد جديد للحرب، بل استمراراً لمنطق هيكلي: منطق يسمح لبعض الجهات الفاعلة بممارسة العنف دون مقابل، باسم الدفاع المزعوم عن الحضارة.
لعقود، بنت إسرائيل شرعيتها الدولية على الاتهام المستمر بأن إيران تُمثل تهديداً وجودياً، لا سيما بسبب برنامجها النووي العسكري المزعوم(). وقد استُخدمت هذه الرواية لتبرير العقوبات والعزلة الدبلوماسية والعمليات السرية. ومع ذلك، ثمة مفارقة جلية بقدر ما هي مُسكَرة: لم تُوقّع إسرائيل قط على معاهدة حظر الانتشار النووي، وتمتلك ترسانة ذرية تُقدّر بأكثر من 90 رأسًا حربيًا ()، وتُحافظ على سياسة غموض استراتيجي تحميها من أي عقوبات أو تدقيق حقيقي.
هذا التفاوت قاسٍ. تُعامل إيران، الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي والخاضعة لعمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كتهديد كامن(). من ناحية أخرى، نجحت إسرائيل في وضع نفسها خارج الإطار القانوني الدولي دون دفع أي ثمن. هذا الاستثناء ليس مجرد سردية: إنه هيكلي. وهو مدعوم بشبكة من التواطؤ تشمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي٬ أي حراك اللوبي٬ لقوى الظل المدعوم “من أحزاب اليمين المتطرف” وجزءًا كبيرًا من الإعلام الغربي().
يُمثّل الهجوم الإيراني الأخير على الأراضي الإسرائيلية نقطة تحول. فلأول مرة منذ عقود، لا تواجه إسرائيل ميليشيا أو جهة فاعلة غير حكومية، بل دولة قادرة على الرد المباشر. ضربت صواريخ تفوق سرعة الصوت تل أبيب وحيفا(). بعيدًا عن البعد الحربي، الرسالة واضحة: لم يعد احتكار إسرائيل للإفلات من العقاب أمرًا مفروغًا منه. وفي هذا السيناريو، تُطرح أسئلة استراتيجية مُقلقة:
– لماذا يُتسامح المجتمع الدولي مع وجود دولة نووية غير مُعلنة في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابًا؟
– لماذا تُبرَّر الضربات الاستباقية عندما تُنفِّذها قوة مدعومة من الغرب، وتُدان عندما تُردّ عليها أخرى؟
– إلى أي مدى استُخدمت ما يُسمى “الحرب على الإرهاب” للتغطية على استراتيجية هيمنة إقليمية؟
المشكلة لا تكمن فقط في من هو على حق، بل في من يملك الحق في استخدام القوة دون عواقب. لعقود، عملت إسرائيل كاستثناء دائم، كجيب خارجي للقوة الغربية في العالم العربي الإسلامي. كان إفلاتها من العقاب هو القاعدة. وكما حذرت حنة أرندت (1906-1975)()، عندما يصبح الاستثناء أمرًا طبيعيًا، يموت حكم القانون.
إذا ردت إسرائيل بالأسلحة النووية، كما يخشى بعض المحللين، فستكون الكارثة لا رجعة فيها. ليس فقط بسبب التأثير الفوري، بل لأنها ستكشف الإفلاس المطلق للنظام الدولي. ما الدور الذي ستلعبه باكستان، القوة النووية الإسلامية الوحيدة، حينها؟ ما هو الرد الذي يمكن أن نتوقعه من دول أخرى في المنطقة؟ وما هي المسؤولية التي ستتحملها الديمقراطيات الليبرالية التي حافظت على هذا الهيكل من المعايير المزدوجة لعقود؟
أخيرا٬ وبأختصار٬ ما يُخاض اليوم في الشرق الأوسط ليس مجرد حرب إقليمية. إنها معركة رمزية وقانونية وأخلاقية. إنها تتحدانا جميعا، ليس من منطلق التضامن المجرد، بل لأنها تحدد شكل العالم الذي سوف نعيش فيه: عالم تفرض فيه القوة قوانينها بلا حدود، أو عالم تستعيد فيه الشرعية الدولية والكرامة الإنسانية وقيمة الحياة مكانها على المسرح العالمي.