بإيجاز: عذوبة العصر الرومانسي الإبداعي للموسيقى
د. إشبيليا الجبوري
ت: من الألمانية أكد الجبوري
مقدمة موجزة مبسطة؛
اتسم العصر الرومانسي للموسيقى عذوبة٬ بأساتذة البيانو الرومانسيون، الذي امتد تقريبًا من أوائل القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن العشرين، أي بمعنى٬ بدأت هذه الفترة مع نهاية العصر الكلاسيكي في عام 1840 واستمرت حتى عام 1900 تقريبًا. خلال هذا الوقت، ركز الملحنون على المشاعر وعلى دمج الصور والزخارف من الحياة والفنون الأخرى في الموسيقى. بطفرة قوية في التعبير العاطفي والخيال الشعري والابتكار التقني().
وفي قلب هذه الحركة، وقف البيانو، تلك الآلة التي تطورت تطورًا جذريًا في مداها ولونها وقدرتها التعبيرية. وأصبح البيانو بمثابة الوسيلة المثالية للتعبير عن الروح الرومانسية، وبرزت شخصيات بارزة كأعظم أبطالها.
لم يكتفِ هؤلاء الأساتذة الرومانسيون بتأليف الموسيقى للآلة فحسب، بل أعادوا تعريفها، ورسموا معالمها للأجيال القادمة. يُعد عزف موسيقاهم هو دخول إلى الروح الرومانسية: إقحام عالم من الشوق، والتأمل، وعمق للبطولة والتسامي. إن شئتم.
– فرانز شوبرت: المهندس الشعري للغنائية؛
على الرغم من أن معاصريه غالبًا ما طغى عليهم خلال حياته، إلا أن مساهمة شوبرت (1797-1828)() في موسيقى البيانو الرومانسية تُعدّ أساسية. فقد أضفت ارتجالاته وسوناتاته، و(“أحلام المشاء”٬ 1828)() الضخمة، عمقًا غنائيًا غير مسبوق وألفة عاطفية إلى تأليف البيانو المنفرد. إبداعه اللحني – الذي غالبًا ما استُمد من موهبته الغنائية – ممزوجًا بجرأة تناغمية، أنتج مقطوعات موسيقية بدت وكأنها تنطق مباشرة من الروح.
سوناتاته المتأخرة، وخاصةً تلك في سلم سي بيمول الكبير (ت. 960)() ولا كبير (ت. 959)()، تُقدم مناظر عاطفية واسعة تتسم بالسكينة والحزن والتسامي. أثرت هذه الأعمال على كل ملحن رومانسي تقريبًا من أتباعه، بمن فيهم شومان وبرامز وحتى ليزت.
– فريدريك شوبان: شاعر البيانو؛
إذا كان شوبرت مهندس الغنائية، فإن شوبان (1810-1849)()كان شاعرها الأعظم. كان فريديريك فرانسوا شوبان ملحنًا بولنديًا وعازف بيانو ماهرًا من العصر الرومانسي، ألّف بشكل أساسي للعزف المنفرد على البيانو. وقد حافظ على مكانته العالمية…٬ إذ كُرّس إنتاجه بالكامل للبيانو، وأعادت ابتكاراته تشكيل مفرداته التعبيرية إلى الأبد. في أعمال مثل (“المقطوعات الليلية”٬ 1827)()، و(“الأهزوجة”٬ 1835)()، و(“المقطوعة”٬ 1836)()، و(“البولونيز”٬ 1817)()، ابتكر شوبان لغة من الأناقة والشغف والنبل. موسيقاه تخاطب القلب، وتتطلب من العازف أقصى درجات الدقة والتحكم.
روباتو شوبان، واستخدامه للدواسة، وألوانه التوافقية جعلت البيانو يغني بطريقة لم يسبق لها مثيل. كان تأثيره واسعًا، من موسيقى الصالون في القرن التاسع عشر إلى أعمق طبقات ديبوسي وسكريابين.
– روبرت شومان: الرومانسي الرؤيوي؛
موسيقى شومان (1810-1856)()للبيانو هي أنقى تجسيد لعلم النفس الرومانسي والسرد الداخلي. دوراته الموسيقية مثل (“كرنفال”٬ 1835)()، و(“مشاهد الأطفال”٬ 1838)()، و(“كريسليريانا”٬ 1839)()، و(“رقصات ديفيدسبوندلر”٬ 1837)() ليست مجرد مآثر تقنية أو عروض جمالية، بل هي صور موسيقية للهوية والصراع والذاكرة والخيال.
أضفى شومان حساسية أدبية على كتابة البيانو، مع ظهور شخصيات مثل فلورستان ويوسابيوس (لوريستان ويوسابيوس (هما شخصيتان خياليتان ابتكرهما الملحن روبرت شومان أثناء عمله كناقد موسيقي و استخدمهما كناطقين له لوجهات نظر مختلفة حول الأعمال التي ناقشها)()- إسقاطات لطبيعته المزدوجة – في موسيقاه. تأثر بشدة بشوبرت وأعجب بشوبان، ومع ذلك ظل صوته متفردًا: مندفعًا، رقيقًا، عاصفًا، وعميق التأمل.
– فرانز ليزت: العملاق والمبتكر المتسامي؛
يُعد فرانز ليزت (1811-1886)() أعظم ساحر و عبقري للبيانو. بتقنياته الثورية، دفع الآلة إلى أقصى حدود إمكانياتها المادية والتعبيرية. إلا أن عبقريته لم تكمن في براعته فحسب، بل في تحوله الرؤيوي للشكل والتناغم والمعنى الروحي.
دراساته المتسامية، و”سنوات الخلوة من عزف على الحبال”()، و(“رقصات الموسيقى”()، والأهم من ذلك كله، سوناتته في مقام سي الصغير، تُعد روائع من فن البيانو والتصميم الفلسفي. كما كان ليزت داعمًا دؤوبًا لأعمال الآخرين – فقد عزف ونشر أغاني شوبرت، ودافع عن أعمال بيتهوفن الأخيرة.
لم يكن ليزت يرى في البيانو مجرد آلة موسيقية، بل امتدادًا كونيًا للروح – مكانًا يمكن فيه استحضار الجنة والنار، الحب والموت، النشوة واليأس متى شاء.
– يوهانس برامز: مهندس العاطفة؛
بينما يُربط برامز(1833-1897)() غالبًا بضبط النفس الكلاسيكي، تعكس موسيقاه للبيانو عمقًا رومانسيًا ضمن هياكل موسيقية منضبطة. تُظهر مقطوعاته الموسيقية المتداخلة، والرابسوديات، والقصائد الغنائية، والتنويعات (لا سيما على أعمال الإنجليزي هاندل (1685-1759)() والإيطالي باغانيني (1782-1840)()) تأملًا عميقًا، وحزنًا نبيلًا، ونسيجًا أوركستراليًا دافئًا.
بين يديه، أصبح البيانو قوة سيمفونية ووعاءً للعاطفة الشخصية. كان برامز غارقًا في تقاليد الألماني باخ (1750-1840)() وبيتهوفن (1770-1827)() وشومان (1810-1856)()، إلا أنه استخلص تأثيرهم في شيء شخصي غني ومؤثر للغاية.
– الخلاصة؛
هؤلاء الأساتذة – شوبرت، شوبان، شومان، ليزت، وبرامز – حوّلوا البيانو مجتمعين إلى الآلة الرومانسية الأسمى. وسّعوا إمكانياته التقنية، وعمّقوا نطاقه العاطفي، وغرسوا فيه معنى أدبيًا وفلسفيًا. ولا تزال أعمالهم جوهرية في ذخيرة الموسيقى، ليس فقط لجمالها، بل لقدرتها على التعبير عما تعجز عنه الكلمات. إذ يُعد عزف موسيقاهم هو دخول إلى الروح الرومانسية: إقحام عالم من الشوق، والتأمل، وعمق للبطولة والتسامي. إن شئتم.