<h1 style="text-align: center;"><strong>ربيع 1991 ...</strong><strong> </strong></h1> <h4><strong>ايفان علي عثمان</strong></h4> <h4>1</h4> <h4></h4> <h4>في ربيع 1991 كان عمري 11 عاما</h4> <h4>مشيت لثوان على الارض ثم حملني أبي العظيم</h4> <h4>عندما وصلنا الى تلك القرية شعرت انني على الارض</h4> <h4>كنت العب بجوار الكوخ</h4> <h4>سقطت جدتي عند موقد النار</h4> <h4>حالتها لم تكن مستقرة كان ضغط دمها مرتفع</h4> <h4>قرر أبي العظيم اخذها الى المدينة</h4> <h4>قام بتأجير عربة وحصان ودليل</h4> <h4>وضع مرتبة سرير ومفارش واغطية فيها من اجل جدتي</h4> <h4>في الصباح الباكر</h4> <h4>وضعني أبي العظيم على ظهر الحصان وجلس في المقدمة والدليل مسك الحبل</h4> <h4>بعد عدة ايام وصلنا للمدينة</h4> <h4>اتذكر تلك المشاهد الحية</h4> <h4>المكان مكتظ بالبشر الجنود الغيوم الجوع الوجع</h4> <h4>حمل أبي العظيم جدتي واخذها الى المستشفى الميداني</h4> <h4>خيم ووحدات طبية متنقلة</h4> <h4>بقينا عدة اسابيع لكن جدتي لم تتحسن وفارقت الحياة</h4> <h4>خلال تلك الفترة تعرف أبي العظيم على ممرضة تركية</h4> <h4>كانت تهتم بجدتي وتعاملها بلطف ورقة</h4> <h4>أبي العظيم كان يتكلم اللغة الانكليزية كانا هو والممرضة التركية يتحدثان معا</h4> <h4>اتذكر انها كانت تضع يديها الناعمتين على رأسي وتمرر اصابعها بين خصلات شعري</h4> <h4>تحضر لجدتي ولأبي العظيم ولي وجبات الاكل مع العصائر</h4> <h4>بيضاء البشرة شابة رشيقة تملك شعرا اشقرا كثيفا مجعدا</h4> <h4>قالت لي</h4> <h4>هل تريد الذهاب معي لاسطنبول</h4> <h4>ضحك أبي العظيم وضحكت</h4> <h4>اتمنى ان التقي بهذا الملاك ذات يوم</h4> <h4>لاقول لها</h4> <h4>انا لم انسى ولن انسى</h4> <h4></h4> <h4>2</h4> <h4>وصلنا الى منطقة عسكرية بالقرب من المدينة</h4> <h4>عند نقطة العبور</h4> <h4>طلب أبي العظيم من احد العساكر ان يساعده في العثور على مستشفى</h4> <h4>كانت جدتي في حالة تستدعي التدخل الطبي</h4> <h4>قال الجندي التركي لأبي العظيم ان هنالك مروحيات تقل المصابين والمرضى الى المدينة</h4> <h4>ساعد أبي العظيم في حمل جدتي ووضعها في سيارة الجيب العسكرية</h4> <h4>قاد الجندي التركي السيارة الى المطار العسكري</h4> <h4>كانت احد الطائرات تستعد للاقلاع</h4> <h4>خرجنا مسرعين وهرول أبي العظيم بأتجاه احد افراد طاقم الطائرة</h4> <h4>كانوا جنودا دوليين</h4> <h4>تحدث أبي العظيم معهم وساعدوه في حمل جدتي الى الطائرة</h4> <h4>كان هنالك الكثير من المصورين</h4> <h4>قلت لأبي العظيم ما هذه الطائرة</h4> <h4>قال لي انها شينوك</h4> <h4>كان عمري 11 عاما حين ركبت طائرة عسكرية</h4> <h4>مراوح عملاقة نوافذ صغيرة</h4> <h4>كانت تحلق على ارتفاع منخفض</h4> <h4>رأيت الارض من السماء</h4> <h4>الجندي التركي الذي ساعدنا عوقب بقسوة</h4> <h4>عند وصولنا للمطار وبخه احد الضباط الاتراك رفع يده وصفعه</h4> <h4>رغم هذا وقف منتصب القامة كالسنديانة</h4> <h4>تعرض للاذى الجسماني الانسان التركي لكنه احتفظ بمبادئه الانسانية</h4> <h4>اينما كنت ايها البطل</h4> <h4>المجد لك</h4> <h4></h4> <h4>3</h4> <h4>لم اسمع صوت الكاميرا لكنني عرفت انهم يلتقطون الصور</h4> <h4>كان أبي العظيم واحد الجنود الدوليين يحملون جدتي لينقلوها الى المروحية</h4> <h4>كنت امحو ظل أبي العظيم وارسم ظلي مكانه</h4> <h4>اقلعت الهليكوبتر باتجاه المدينة</h4> <h4>بعد مرور عدة سنوات</h4> <h4>سمعت من احدى بنات العم في جلسة عائلية اجتمع فيها الاقرباء والاحبة</h4> <h4>عن صورة في مجلة اجنبية يملكها اخاها الذي هاجر منذ زمن بعيد الى تركيا</h4> <h4>محتوى الصورة</h4> <h4>رجل ضخم بلحية سوداء كثيفة اسمر البشرة يحمل سيدة مسنة على وجهه علامات الصمود</h4> <h4>أبي العظيم وجدتي</h4> <h4>احدهم طالب بالصورة</h4> <h4>لكن الصورة لم تصل</h4> <h4>منذ ذلك الوقت لم تغب عن ذاكرتي</h4> <h4>مرت سنوات</h4> <h4>ذات يوم</h4> <h4>قمت بزيارة الاخت الصغرى لابنة العم</h4> <h4>سيدة موناليزية</h4> <h4>بحضور زوجها</h4> <h4>طلبت منها ان تتصل بأخيها كي يرسل المجلة او نسخة منها</h4> <h4>قالت حسنا في اقرب فرصة سأتصل به</h4> <h4>زوجها السيد النبيل قال لي</h4> <h4>لو عرفنا اسم المجلة سأكتب رسالة لهم باللغة الانكليزية وانت بدورك ارسلها لهم من خلال البريد الالكتروني</h4> <h4>لم تصل بعد</h4> <h4>من الصدف المدهشة</h4> <h4>في معرض اربيل الدولي للكتاب</h4> <h4>كنت بحاجة لبعض التبغ خرجت من بناية المعرض وتوجهت للساحة</h4> <h4>فدماغي لا يقبل سلكا واحد للشحن يجب ان يكون هناك سلكان كي تتم المهمة بنجاح</h4> <h4>الكتب والسجائر</h4> <h4>رأيت رجلا بشعر ادونيسي ابيض ووجهه مليء بخطوط وتجاعيد دقيقة</h4> <h4>وجدت صورة شخصية له ذات مرة في مكان ما</h4> <h4>توجهت نحوه القيت السلام عليه قلت له انا اعرفك لكن انت لا تعرفني</h4> <h4>قال من انت</h4> <h4>قلت انا ايفان ابن علي بابا</h4> <h4>قبلنا بعضنا احتضنا بعضنا</h4> <h4>تكلمنا عن الكتب والعمل وفوضى الاشياء</h4> <h4>وانتهى اللقاء</h4> <h4>انا توجهت يسارا وهو غاب في الزحام</h4> <h4>في طريق العودة من اربيل تذكرت الصورة</h4> <h4>قلت نسيت ان احدثه عن الصورة</h4> <h4>عدت لنقطة الفراغ ومعي سلة من الفراغات</h4> <h4>رغم هذا</h4> <h4>انا مستمر في عملية البحث عن الصورة</h4> <h4>حتى الرمق الاخير</h4> <h4>تحية اجلال وتقدير لذاك المصور المجهول</h4> <h4>الذي رسم وجه أبي العظيم</h4> <h4></h4> <h4>4</h4> <h4>تقع القرية في منطقة جبلية وعرة</h4> <h4>على بعد كيلومترات يوجد معسكر للجيش التركي</h4> <h4>بناء كبير على تل محاط بالخضرة</h4> <h4>السماء غائمة تهب رياح باردة خفيفة قطرات المطر البلورية تتوزع على الحشائش والازهار</h4> <h4>تعرف أبي العظيم على جندي تركي اسمه علي</h4> <h4>اصبحا صديقين</h4> <h4>ذات يوم ذهبنا انا وأبي العظيم الى ذلك المكان الأخضر</h4> <h4>التقينا بالجندي علي</h4> <h4>قدم لأبي العظيم الارز والسكر والشاي</h4> <h4>ما زلت اتذكر زيه العسكري وبندقيته وابتسامته البراقة</h4> <h4>شاب وسيم في العشرينيات</h4> <h4>في نهار خلاب</h4> <h4>جاء الى القرية ليزور أبي العظيم</h4> <h4>احضر معه كارتونة مليئة بالمعلبات</h4> <h4>تناول الشاي برفقة ابي العظيم جلست معهما بجانب موقد الحطب</h4> <h4>أبي العظيم كان شخصية لامعة صديقا للغفير والوزير</h4> <h4>بعد عودتنا الى الوطن</h4> <h4>وجدت اكياس سكر صغيرة محفوظة في كيس</h4> <h4>قلت لابي العظيم ما هذا</h4> <h4>قال لي انه جلبها معه كتذكار من الجندي علي</h4> <h4>ومعها</h4> <h4>ورقة مكتوب عليها اسم الجندي علي كاملا وعنوان السكن ورقم التلفون الارضي باللغة التركية</h4> <h4>في الالفية الثالثة انتقلنا من البيت القديم الى البيت الجديد</h4> <h4>اختفت الكثير من الاشياء ومنها الورقة واكياس السكر الصغيرة</h4> <h4>علي</h4> <h4>كيف السبيل لرد الجمايل</h4> <h4></h4> <h4>5</h4> <h4>.</h4> <h4>تلك القرية الصغيرة اصبحت مدينة كبيرة</h4> <h4>اكواخ مضيئة</h4> <h4>الناس تخرج لفسحة الى الحدود وتعود</h4> <h4>بجوارنا تعيش عائلة مسيحية</h4> <h4>كانت تربطهم بأبي العظيم صداقة قوية</h4> <h4>يتحدثون لساعات خلال اجتماعات الليل</h4> <h4>لهذه الاسرة صبية بعمري</h4> <h4>اصبحنا اصدقاء كنا نلعب بالحجارة واغصان الشجر</h4> <h4>حين بدأت ملامح الهجرة بالتلاشي وبدأ الناس بالعودة الى الوطن</h4> <h4>لم يعودوا</h4> <h4>قرروا البقاء هناك</h4> <h4>قالوا ان المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان ستأخذ من لا يريد العودة الى اوروبا وهذا ما حصل لاحقا</h4> <h4>والدا الفتاة طلبوا من أبي العظيم عدم العودة والبقاء</h4> <h4>لكن أبي العظيم لم يوافق</h4> <h4>لم يبقى في القرية سوى بعض العوائل</h4> <h4>والبقية عادوا</h4> <h4>لا املك اية معلومات حول الفتاة واين هي الان</h4> <h4>المسيحيين</h4> <h4>بيني وبينهم عيش وملح تربطني بهم علاقة ذات بعد انساني نقي</h4> <h4>دخلت الى بيوتهم جلست على مائدتهم خرجت معهم</h4> <h4>مثقفون طيبون مرحون</h4> <h4>عندما اكون بينهم اشعر بالحماس</h4> <h4>ورثت هذا عن ابي العظيم فلقد كان على صلة وثيقة بالمسيحيين</h4> <h4></h4> <h4>..</h4> <h4>الطبيعة ساحرة هناك</h4> <h4>مساحات خضراء مفتوحة</h4> <h4>ايام قليلة تفصلنا عن القرية</h4> <h4>وصلنا الى منطقة تفيض بالجمال</h4> <h4>ينابيع ونباتات</h4> <h4>اقتربنا منها</h4> <h4>رجل مسلح وامرأة مسلحة</h4> <h4>كانا يشربان الماء</h4> <h4>القى أبي العظيم السلام عليهم</h4> <h4>رد كلاهما السلام</h4> <h4>قلت لأبي العظيم</h4> <h4>من هؤلاء</h4> <h4>قال لي</h4> <h4>انهم مقاتلو حزب العمال الكوردستاني</h4> <h4>كانا ينظران للمارة</h4> <h4></h4> <h4>...</h4> <h4>كانت السماء تمطر</h4> <h4>البرق يحول الليل الى نهار</h4> <h4>الرعد يتجاوز افق الصدى</h4> <h4>أبي العظيم كان يحمل معه قطعة من شادر مطري</h4> <h4>صنع منها مظلة لي</h4> <h4>وتوقف هو تحت المطر</h4> <h4>قلت له انا جائع</h4> <h4>كان يحتفظ أبي العظيم بعدة علب بسكويت لي</h4> <h4>بحث أبي العظيم عنها لكنه لم يجد سوى علبة وفراغها</h4> <h4>كنت التهم بين الحين والاخر عدة قطع</h4> <h4>بيننا وبين الاسرة التي بجانبنا عدة امتار</h4> <h4>كان هنالك موقد صغير عليه قدر</h4> <h4>توجه أبي العظيم نحوهم وطلب منهم بعض الاكل</h4> <h4>احضر طبقا من الرز الأحمر</h4> <h4>بعد مرور بعض الوقت</h4> <h4>جاءت سيدة كوردية مسنة ومعها طبق اخر</h4> <h4>الظلام وزخات المطر القوية لم يتركا لي فرصة</h4> <h4>لرسم تضاريس وجهها</h4> <h4>كانت بهية الطلة سميتها سلطان على اسم جدتي العظيمة والدة ابي العظيم</h4> <h4>لا اعرف ان كانت على قيد الحياة ام لا</h4> <h4></h4> <h4>....</h4> <h4>قال أبي العظيم</h4> <h4>لن نخرج من المدينة</h4> <h4>سنبقى في البيت</h4> <h4>لكن القصف كان كثيفا</h4> <h4>لم يبقى احد من سكان الحي</h4> <h4>نحن وجيراننا وهم من خانقين</h4> <h4>سقطت عدة قذائف في المنطقة</h4> <h4>واحدة منها وقعت عند الجدار الخارجي لمدرسة القادسية الابتدائية المختلطة</h4> <h4>كنت احد تلاميذها</h4> <h4>وواحدة سقطت خلف بيتنا في شارع فرعي يحيط به مجموعة منازل لاسر مسيحية</h4> <h4>حينها قرر ابي العظيم ان نترك المدينة</h4> <h4></h4> <h4>.....</h4> <h4>دخلنا الاراضي التركية</h4> <h4>هنالك اعمدة صخرية مستطيلة الشكل موزعة على خط افقي</h4> <h4>قلت لأبي العظيم</h4> <h4>ما هذا</h4> <h4>قال لي</h4> <h4>انها الحدود العراقية التركية</h4> <h4></h4> <h4>......</h4> <h4>غابات شاسعة</h4> <h4>ونهر</h4> <h4>كان علينا اجتيازه للعبور الى الجانب الاخر</h4> <h4>حملني ابي العظيم على ظهره وتقدم</h4> <h4>شعرت بضغط التيار المائي الهائل</h4> <h4>أبي العظيم كان قوي البنية يملك عضلات مصارع وتاتليسسي المظهر والجوهر</h4> <h4>قفزت من ظهره عند الضفة</h4> <h4></h4> <h4>.......</h4> <h4>كانت هنالك شجرة ضخمة عند الكوخ في القرية</h4> <h4>قطع أبي العظيم فرعا منها وقام بصنع عصا</h4> <h4>حفر عليها</h4> <h4>هذه العبارة</h4> <h4>الهجرة المليونية للشعب الكوردي 1991</h4> <h4>هذه العصا رافقتنا الى الوطن</h4> <h4>وبقيت لسنوات محفوظة عند أبي العظيم</h4> <h4>كنت احملها والعب بها</h4> <h4>كسرتها بعد حركة بهلوانية طائشة</h4>