إشبيليا الجبوري ـ بإيجاز: “جدلية الرفض”
إشبيليا الجبوري
ت: من اليابانية أكد الجبوري
جدلية الرفض٬ مسرد الـ “لا” النافية كشكل أسمى لبناء الذاتية المتألقة بالرأي٬ “الحق”. كشكل أسمى لبناء الذاتية.
إن موقف الرفض٬ جدلية مطرقة التمرد الثقافي٬ بإعلاء كلمة “لا”، والتي يُفهم منها أحيانًا أنها عائق أو صدمة، هي في الواقع واحدة من أقوى تعبيرات الوعي وبناء الداخل الإنساني في نكران الذات. إن فعل الرفض، والتمرد نفسه، ليس مجرد حظر أو إحباط تعسفي للإرادة، بل هو تجربة وجودية تعمل كأساس لنضج الذاتية. إن الإنكار، بهذا المعنى، لا يدمر، بل يكشف.
جدلية الرفض… مسار التمرد الثقافي٬ الـ “لا” النافية كشكل أسمى لبناء الذاتية الواعية٬ رمز حكمة العقل الناهض٬ ومجرى النهر العكر بالمرور٬ والرضوخ والاستسلام. إن شئتم.
فلسفة الرفض فلسفة مواجهة٬ في جوهرها العميق، تعتبر كلمة “لا” الشكل السلبي للغة التي يواجه من خلالها الشخص حدود حالته. إنه ليس مجرد حظر خارجي، بل هو عامل وجودي يضعنا أمام الآخر والنهائية والاستحالة. عندما نُحرم من شيء، سواء من قبل الواقع، أو من قبل الآخرين، أو من قبل القدر، نُجبر على التخلي عن الوهم النرجسي بالقدرة المطلقة، ونغرق أنفسنا في كثافة الواقع. إن “اللا” هي التي ترفض خيال الكمال، وتؤسس مجال التأمل والتمييز، وقبل كل شيء الحرية.
لقد اعترف الفكر الديالكتيكي، من هيراقليطس (535 ق. م – 470 ق. م)() إلى هيغل (1770-1831)()، بالنفي كمبدأ تأسيسي للوجود. “لا” هي الحركة، هي التوتر، هي محرك التغلب. في بعدها التكويني، تعمل كعملية نزع الصفة الطبيعية عن المعتقدات والتوقعات والصور الوهمية التي تدعم الأنا الطفولية. إن ما يتم إنكاره يصبح بالتالي أرضًا خصبة لإعادة البناء، ليس ساذجًا بل ناقدًا، ليس سلبيًا بل واضحًا.
على عكس التأكيد التلقائي الذي توفره كلمة “نعم” في كثير من الأحيان، فإن كلمة “لا” تتطلب عملاً داخليًا. فهو لا يتطلب من الموضوع الاستسلام فحسب، بل يتطلب أيضًا التفصيل الرمزي. إن التخلي الذي يفرضه الـ “لا” يمكن أن يسبب المعاناة، وهذا صحيح، ولكن هذه المعاناة ليست عقيمة، بل هي أرض خصبة للمرونة وإعادة الاختراع والإبداع. وكما يجد الفنان أصل الشكل في محدودية المكان، فإن الإنسان يجد أصل التسامي في رفض العالم.
“لا” تعلمنا عدم الثبات. إنها تجبرنا على قبول عدم الاستقرار البنيوي للوجود، وحقيقة أن ليس كل شيء يتوافق مع رغباتنا، وأن الواقع ليس في خدمة خيالنا. لكن هذا القبول ليس استسلاماً، بل هو ارتقاء. الشخص الذي يقبل كلمة “لا” كجزء أساسي من الحياة يتخلى عن الموقف الطفولي ويلتزم بوجود أخلاقي، يركز على الاعتراف بالحدود والاستماع إلى الآخر والانفتاح على الجديد.
إن “اللا” إذن ليست نهاية، بل هي ممر. إنها تمثل قطعًا رمزيًا ضروريًا، وهي لحظة يتم فيها تحدي الموضوع للخروج من منطقة الراحة الخاصة به ومواجهة إمكانية مسارات أخرى، وطرق أخرى للوجود والتفكير. بهذا المعنى، فإن كلمة “لا” أكثر تأكيداً من كلمة “نعم”، لأنها تحمل في ذاتها قوة ما لم يحدث بعد، ولكن يمكن أن يصبح. إنه لا يؤكد ما تم تقديمه بالفعل، بل يدعو إلى ما يجب القيام به بعد.
ليس من المبالغة أن نقول إن أعظم لفتات النضج والاستقلال والإبداع تنشأ من كلمة “لا”. إن رفض الظلم، والقول “لا” للصمت المفروض، وإنكار المطابقة، ورفض البقاء في مكان تذبل فيه الروح، كل هذه أشكال من الإنكار التي تبني الذات الأخلاقية والشعرية، تلك التي لا تنحني أمام ما هو قائم والتي تجرؤ على تخيل عوالم جديدة ممكنة.
أخيرًا٬ وباختصار، “لا” ليست نقيض الحياة، بل هي الوساطة الأكثر إلحاحًا فيها. فهو يفصلنا عن المباشر والسطحي والمتكرر، ويطلقنا إلى العمق والداخلية والإبداع. من يفهم عظمة الإنكار يحول الألم إلى قوة، والحدود إلى لغة، والغياب إلى مساحة لإعادة الاختراع. إن قبول كلمة “لا” لا يعني الاستسلام، بل هو بداية طريق نحو تجاوز الذات الحقيقي.
لأن أولئك الذين تم حرمانهم فقط هم الذين يستطيعون في النهاية أن يرغبوا بوضوح. وفقط أولئك الذين تعلموا بالفعل كيف يفقدون الرغبة بالوضوح. جدلية الرفض… مسار التمرد الثقافي٬ الـ “لا” النافية كشكل أسمى لبناء الذاتية٬ رمز حكمة العقل الناهض٬ ومجرى النهر العكر بالمرور٬ والرضوخ والاستسلام. جدلية الرفض… مسار التمرد الثقافي٬ الـ “لا” النافية كشكل أسمى لبناء الذاتية٬ رمز حكمة العقل الناهض٬ ومجرى النهر العكر بالمرور٬ والرضوخ والاستسلام. إن شئتم.